وقد أبهم ما يعطيه من الدنيا إذ قال : « نُؤْتِهِ مِنْها » إشارة إلى أن الأمر إلى المشية الإلهية فربما بسطت الرزق وربما قدرت كما قال تعالى : « مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ » إسراء : ١٨.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم بالغير في قوله « نَزِدْ لَهُ » و « نُؤْتِهِ مِنْها » للدلالة على العظمة التي يشعر بها قوله : « وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ».
والمحصل من معنى الآيتين : أن الله سبحانه لطيف بعباده جميعا ذو قوة مطلقة وعزة مطلقة يرزق عباده على حسب مشيته وقد شاء في من أراد الآخرة وعمل لها أن يرزقه منها ويزيد فيه ، وفيمن أراد الدنيا وعمل لها فحسب أن يؤتيه منها وما له في الآخرة من نصيب.
ويظهر من ذلك أن الآية الأولى عامة تشمل الفريقين ، والمراد بالعباد ما يعم أهل الدنيا والآخرة ، وكذا الرزق وأن الآية الثانية في مقام تفصيل ما في قوله : « يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ » من الإجمال.
قوله تعالى : « أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ » إلى آخر الآية لما بين أن الله سبحانه هو الذي أنزل الكتاب بالحق وشرع لهم الدين الذي هو ميزان أعمالهم وأنه بلطفه وقوته وعزته يرزق من أراد الآخرة وعمل لها ما أراده منها ويزيد ، وإن من أراد الدنيا ونسي الآخرة لا نصيب له فيها سجل على من كفر بالآخرة عدم النصيب فيها بإنكار أن لا دين غير ما شرعه الله يدين به هؤلاء حتى يرزقوا بالعمل به مثل ما يرزق أهل الإيمان بالآخرة فيها إذ لا شريك لله حتى يشرع دينا غير ما شرعه الله من غير إذن منه تعالى فلا دين إلا لله ولا يرزق في الآخرة رزقا حسنا إلا من آمن بها وعمل لها.
فقوله : « أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ » إلخ ، في مقام الإنكار ، وقوله : « وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » إشارة إلى الكلمة التي سبقت منه تعالى أنهم يعيشون في الأرض إلى أجل مسمى ، وفيه إكبار لجرمهم ومعصيتهم.
وقوله : « وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » وعيد لهم على ظلمهم ، وإشارة إلى أنهم لا يفوتونه تعالى فإن لم يقض بينهم ولم يعذبهم في الدنيا فلهم في الآخرة عذاب أليم.