أتوه بمال ليستعين به على ما ينوبه فنزلت الآية فرده ، وقد كان له منهم قرابة من جهة سلمى بنت زيد النجارية ومن جهة أخوال أمه آمنة على ما قيل.
وفيه أن أمر الأنصار في حبهم للنبي صلىاللهعليهوآله أوضح من أن يرتاب فيه ذو ريب وهم الذين سألوه أن يهاجر إليهم ، وبوءوا له الدار ، وفدوه بالأنفس والأموال والبنين وبذلوا كل جهدهم في نصرته وحتى في الإحسان على من هاجر إليهم من المؤمنين به ، وقد مدحهم الله تعالى بمثل قوله : « وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » الحشر : ٩ ، وهذا مبلغ حبهم للمهاجرين إليهم لأجل النبي صلىاللهعليهوآله فما هو الظن في حبهم له؟.
وإذا كان هذا مبلغ حبهم فما معنى أن يؤمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يتوسل إلى مودتهم بقرابته منهم هذه القرابة البعيدة؟.
على أن العرب ما كانت تعتني بالقرابة من جهة النساء ذاك الاعتناء وفيهم القائل :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
والقائل :
وإنما أمهات الناس أوعية |
|
مستودعات وللأنساب آباء |
وإنما هو الإسلام أدخل النساء في القرابة وساوى بين أولاد البنين وأولاد البنات وقد تقدم الكلام في ذلك.
وقيل : الخطاب لقريش والمودة في القربى هي المودة بسبب القرابة غير أن المراد بها مودة النبي صلىاللهعليهوآله لا مودة قريش كما في الوجه الأول ، والاستثناء منقطع ، ومحصل المعنى : أني لا أسألكم أجرا على ما أدعوكم إليه من الهدى الذي ينتهي بكم إلى روضات الجنات والخلود فيها ولا أطلب منكم جزاء لكن حبي لكم بسبب قرابتكم مني دفعني إلى أن أهديكم إليه وأدلكم عليه.
وفيه أنه لا يلائم ما يخده الله سبحانه له صلىاللهعليهوآله في طريق الدعوة والهداية فإنه تعالى يسجل عليه في مواضع كثيرة من كلامه أن الأمر في هداية الناس إلى الله وليس له من الأمر شيء وأن ليس له أن يحزن لكفرهم وردهم دعوته وإنما عليه البلاغ فلم يكن