له أن يندفع إلى هداية أحد لحب قرابة أو يعرض عن هداية آخرين لبغض أو كراهة ومع ذلك كله كيف يتصور أن يأمره الله بقوله : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ » الآية أن يخبر كفار قريش أنه إنما اندفع إلى دعوتهم وهدايتهم بسبب حبه لهم لقرابتهم منه لا لأجر يسألهم إياه عليه.
وقيل : المراد بالمودة في القربى مودة الأقرباء والخطاب لقريش أو لعامة الناس والمعنى : لا أسألكم على دعائي أجرا إلا أن تودوا أقرباءكم.
وفيه أن مودة الأقرباء على إطلاقهم ليست مما يندب إليه في الإسلام قال تعالى : « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » المجادلة : ٢٢ ، وسياق هذه الآية لا يلائم كونها مخصصة أو مقيدة لعموم قوله : « إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » أو إطلاقه حتى تكون المودة للأقرباء المؤمنين هي أجر الرسالة على أن هذه المودة الخاصة لا تلائم خطاب قريش أو عامة الناس.
بل الذي يفيده سياق الآية أن الذي يندب إليه الإسلام هو الحب في الله من غير أن يكون للقرابة خصوصية في ذلك ، نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرحم لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال ، على حبه ذوي القربى لا بعنوان مودة القربى فلا حب إلا لله عز اسمه.
ولا مساغ للقول بأن المودة في القربى في الآية كناية عن صلتهم والإحسان إليهم بإيتاء المال إذ ليس في الكلام ما يدفع كون المراد هو المعنى الحقيقي غير الملائم لما ندب إليه الإسلام من الحب في الله.
وقيل : معنى القربى هو التقرب إلى الله ، والمودة في القربى هي التودد إليه تعالى بالطاعة والتقرب فالمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن توددوا إليه تعالى بالتقرب إليه.
وفيه أن في قوله : « إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » على هذا المعنى إبهاما لا يصلح به أن يخاطب به المشركون فإن حاق مدلوله التودد إليه ـ أو وده تعالى ـ بالتقرب إليه والمشركون لا ينكرون ذلك بل يرون ما هم عليه من عبادة الآلهة توددا إليه بالتقرب