وحسن عاقبتهم وإلى وصف ما يلقاه الظالمون وهم غيرهم في عقباهم من أهوال القيامة وعذاب الآخرة.
ووراء ذلك في خلال الآيات من إجمال بعض الأحكام والإنذار والتخويف والدعوة إلى الحق وحقائق المعارف شيء كثير.
قوله تعالى : « وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ » القدر مقابل البسط معناه التضييق ومنه قوله السابق : « يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ » والقدر بفتح الدال وسكونها كمية الشيء وهندسته ومنه قوله : « وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ » أو جعل الشيء على كمية معينة ومنه قوله : « فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ » المرسلات : ٢٣.
والبغي الظلم ، وقوله : « بِعِبادِهِ » من وضع الظاهر موضع الضمير ، والنكتة فيه الإشارة إلى بيان كونه خبيرا بصيرا بهم وذلك أنهم عباده المخلوقون له القائمون به فلا يكونون محجوبين عنه مجهولين له ، وكذا قوله السابق : « لِعِبادِهِ » لا يخلو من إشارة إلى بيان إيتاء الرزق وذلك أنهم عباده ورزق العبد على مولاه.
ومعنى الآية : ولو وسع الله الرزق على عباده فأشبع الجميع بإيتائه لظلموا في الأرض ـ لما أن من طبع سعة المال الأشر والبطر والاستكبار والطغيان كما قال تعالى : « إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى : العلق : ٧ ـ ولكن ينزل ما يشاء من الرزق بقدر وكمية معينة أنه بعباده خبير بصير فيعلم ما يستحقه كل عبد وما يصلحه من غنى أو فقر فيؤتيه ذلك.
ففي قوله : « وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ » بيان للسنة الإلهية في إيتاء الرزق بالنظر إلى صلاح حال الناس أي إن لصلاح حالهم أثرا في تقدير أرزاقهم ، ولا ينافي ذلك ما نشاهد من طغيان بعض المثرين ونماء رزقهم على ذلك فإن هناك سنة أخرى حاكمة على هذه السنة وهي سنة الابتلاء والامتحان ، قال تعالى : « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » التغابن : ١٥ ، وسنة أخرى هي سنة المكر والاستدراج ، قال تعالى : « سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ » الأعراف : ١٨٣.
فسنة الإصلاح بتقدير الرزق سنة ابتدائية يصلح بها حال الإنسان إلا أن يمتحنه