الله كما قال : « وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ » آل عمران : ١٥٤ أو يغير النعمة ويكفر بها فيغير الله في حقه سنته فيعطيه ما يطغيه ، قال تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » الرعد : ١١.
وكما أن إيتاء المال والبنين وسائر النعم الصورية من الرزق المقسوم كذلك المعارف الحقة والشرائع السماوية المنتهية إلى الوحي من حيث إنزالها ومن حيث الابتلاء بها والتلبس بالعمل بها من الرزق المقسوم.
فلو نزلت المعارف والأحكام عن آخرها دفعة واحدة ـ على ما لها من الإحاطة والشمول لجميع شئون الحياة الإنسانية ـ لشقت على الناس ولم يؤمن بها إلا الأوحدي منهم لكن الله سبحانه أنزلها على رسوله صلىاللهعليهوآله تدريجا وعلى مكث وهيأ بذلك الناس بقبول بعضها لقبول بعض ، قال تعالى : « وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ » إسراء : ١٠٦.
وكذا المعارف العالية التي هي في بطون المعارف الساذجة الدينية لو لم يضرب عليها بالحجاب وبينت لعامة الناس على حد الظواهر المبينة لهم لم يتحملوها ودفعته أفهامهم إلا الأوحدي منهم لكن الله سبحانه كلمهم في ذلك نوع تكليم يستفيد منه كل على قدر فهمه وسعة صدره كما قال في مثل ضربه في ذلك : « أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها » الرعد : ١٧.
وكذلك الأحكام والتكاليف الشرعية لو كلف بجميعها جميع الناس لتحرجوا منها ولم يتحملوها لكنه سبحانه قسمها بينهم حسب تقسيم الابتلاءات المقتضية لتوجه التكاليف المتنوعة بينهم.
فالرزق بالمعارف والشرائع من أي جهة فرض كالرزق الصوري مفروض بين الناس مقدر على حسب صلاح حالهم.
قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ » القنوط اليأس ، والغيث المطر ، قال في مجمع البيان : الغيث ما كان نافعا في وقته ، والمطر قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته وغير وقته. انتهى. ونشر الرحمة تفريق النعمة بين الناس بإنبات النبات وإخراج الثمار التي يكون سببها المطر.