وفي الآية انتقال من حديث الرزق إلى آيات التوحيد التي لها تعلق ما بالأرزاق ، ويتلوها في هذا المعنى آيات ، وتذييل الآية بالاسمين : الولي الحميد وهما من أسمائه تعالى الحسنى للثناء عليه في فعله الجميل.
قوله تعالى : « وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ » إلخ ، البث التفريق ، ويقال : بث الريح التراب إذا أثاره ، والدابة كل ما يدب على الأرض فيعم الحيوانات جميعا ، والمعنى ظاهر.
وظاهر الآية أن في السماوات خلقا من الدواب كالأرض ، وقول بعضهم : إن ما في السموات من دابة هي الملائكة يدفعه أن إطلاق الدواب على الملائكة غير معهود.
وقوله : « وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ » إشارة إلى حشر ما بث فيهما من دابة وقد عبر بالجمع لمقابلته البث الذي هو التفريق ، ولا دلالة في قوله : « عَلى جَمْعِهِمْ » حيث أتى بضمير أولي العقل على كون ما في السماوات من الدواب أولي عقل كالإنسان لقوله تعالى : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » الأنعام : ٣٨.
والقدير من أسمائه تعالى الحسنى وهو الذي أركزت فيه القدرة وثبتت ، قال الراغب : القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما ، وإذا وصف الله بها فهي نفي العجز عنه ، ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا بل حقه أن يقال : قادر على كذا ، ومتى قيل : هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه.
والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى قال : « إنه على ما يشاء قدير » ، والمقتدر يقاربه نحو « عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ » لكن قد يوصف به البشر ، وإذا استعمل في الله فمعناه معنى القدير وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة ، انتهى.
وهو حسن غير أن في قوله : إن القدرة إذا وصف بها الله فهي نفي العجز عنه مساهلة ظاهرة فإن صفاته تعالى الذاتية كالحياة والعلم والقدرة لها معان إيجابية هي عين