والوجهان وإن كانا حسنين في نفسهما لكن سياق الآية لا يساعد عليهما وخاصة مع حيلولة قوله : « فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ » بين التعليل والمعلل.
ويمكن أيضا أن يكون قوله : « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » تعليلا لأصل كون جزاء السيئة سيئة من غير نظر إلى المماثلة والمساواة.
قوله تعالى : « وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ـ إلى قوله ـ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » ضمير « ظُلْمِهِ » راجع إلى المظلوم. والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.
الآيات الثلاث تبيين ورفع لبس من قوله في الآية السابقة : « فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ » فمن الجائز أن يتوهم المظلوم أن في ذلك إلغاء لحق انتصاره فبين سبحانه بقوله أولا : « وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ » أن لا سبيل على المظلومين ولا مجوز لإبطال حقهم في الشرع الإلهي ، وإرجاع ضمير الإفراد إلى الموصول أولا باعتبار لفظه ، وضمير الجمع ثانيا باعتبار معناه.
وبين بقوله ثانيا : « إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ » إن السبيل كله على الظالمين في الانتقام منهم للمظلومين ، وأكد ذلك ذيلا بقوله : « أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ».
وبين بقوله ثالثا : « وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » إن الدعوة إلى الصبر والعفو ليست إبطالا لحق الانتصار وإنما هي إرشاد إلى فضيلة هي من أعظم الفضائل فإن في المغفرة الصبر الذي هو من عزم الأمور ، وقد أكد الكلام بلام القسم أولا وباللام في خبر إن ثانيا لإفادة العناية بمضمونه.
قوله تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ » إلخ ، لما ذكر المؤمنين بأوصافهم وأن لهم عند الله رزقهم المدخر لهم وفيه سعادة عقباهم التي هداهم الله إليها التفت إلى غيرهم وهم الظالمون الآيسون من تلك الهداية الموصلة إلى السعادة المحرومون من هذا الرزق الكريم فبين أن الله سبحانه أضلهم لكفرهم وتكذيبهم فلا ينتهون إلى ما عنده من الرزق ولا يسعدهم به وليس لهم من دونه من ولي حتى يتولى أمرهم