ويرزقهم ما حرمهم الله من الرزق ، فهم صفر الأكف يتمنون عند مشاهدة العذاب الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا فيكونوا أمثال المؤمنين.
فقوله : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ » إلخ ، من قبيل وضع السبب وهو إضلال الله لهم وعدم ولي آخر يتولى أمرهم فيهديهم ويرزقهم موضع المسبب وهو الهداية والرزق.
وقوله : « وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ » إشارة إلى تمنيهم الرجوع إلى الدنيا بعد اليأس عن السعادة ومشاهدة العذاب.
و « تَرَى » خطاب عام وجه إلى النبي صلىاللهعليهوآله بما أنه راء ومعناه وترى ويرى كل من هو راء ، وفيه إشارة إلى أنهم يتمنون ذلك على رءوس الأشهاد ، والمرد هو الرد.
قوله تعالى : « وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ » ضمير « عَلَيْها » للنار للدلالة المقام عليها وخفي الطرف ضعيفة وإنما ينظر من طرف خفي. إلى المكاره المهولة من ابتلي بها فهو لا يريد أن ينصرف فيغفل عنها ولا يجترئ أن يمتلئ بها بصره كالمبصور ينظر إلى السيف ، والباقي ظاهر.
وقوله : « وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » أي إن الخاسرين كل الخسران وبحقيقته هم الذين خسروا أنفسهم بحرمانها عن النجاة وأهليهم بعدم الانتفاع بهم يوم القيامة. وقيل أهلوهم أزواجهم من الحور وخدمهم في الجنة لو آمنوا ولا يخلو من وجه نظرا إلى آيات وراثة الجنة.
وهذا القول المنسوب إلى المؤمنين إنما يقولونه يوم القيامة ـ والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع ـ لا في الدنيا كما يظهر من بعضهم فليس لاستناده تعالى إلى مقالة المؤمنين في الدنيا وجه في مثل المقام ، وليس القائلون به جميع المؤمنين كائنين من كانوا وإنما هم الكاملون منهم المأذون لهم في الكلام الناطقون بالصواب محضا كأصحاب الأعراف وشهداء الأعمال قال تعالى : « يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ » هود : ١٠٥. وقال : « لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً » النبأ : ٣٨.
فلا يصغي إلى ما قيل : إن القول المذكور إنما نسب إلى المؤمنين للدلالة على ابتهاجهم بما رزقوا يومئذ من الكرامة ونجوا من الخسران وإلا فالقول قول كل من يتأتى منه القول من أهل الجمع كما أن الرؤية المذكورة قبله رؤية كل من تتأتى منه الرؤية.