ساقته الجهالة إلى المعصية من غير استكبار والله واسع المغفرة قال تعالى « وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » النجم : ٣٢ ، وقال : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » النساء : ٣١.
ويتحصل معنى الآيات الثلاث في إعطاء الضابط في صفة أهل الجحيم وأهل الجنة في أن أهل الجحيم أهل الكفر والفسوق وأهل الجنة أهل الإيمان والتقوى ، وهناك غير الطائفتين طوائف أخر من المستضعفين والذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وغيرهم أمرهم إلى الله سبحانه عسى أن يشملهم المغفرة بشفاعة وغيرها.
فقوله : « فَأَمَّا مَنْ طَغى ـ إلى قوله ـ هِيَ الْمَأْوى » أي هي مأواه على أن تكون اللام عوضا عن الضمير أو الضمير محذوف والتقدير هي المأوى له.
وقوله : « وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » إلخ المقام اسم مكان يراد به المكان الذي يقوم فيه جسم من الأجسام وهو الأصل في معناه ككونه اسم زمان ومصدرا ميميا لكن ربما يعتبر ما عليه الشيء من الصفات والأحوال محلا ومستقرا للشيء بنوع من العناية فيطلق عليه المقام كالمنزلة كما في قوله تعالى في الشهادة : « فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما » المائدة : ١٠٧ وقول نوح عليهالسلام لقومه على ما حكاه الله : « إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ » يونس : ٧١ ، وقول الملائكة على ما حكاه الله : « وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » الصافات : ١٦٤.
فمقامه تعالى المنسوب إليه بما أنه رب هو صفة ربوبيته بما تستلزمه أو تتوقف عليه من صفاته الكريمة كالعلم والقدرة المطلقة والقهر والغلبة والرحمة والغضب وما يناسبها قال إيذانا به : « وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » طه : ٨٢ ، وقال : « نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ » الحجر : ٥٠.
فمقامه تعالى الذي يخوف منه عباده مرحلة ربوبيته التي هي المبدأ لرحمته ومغفرته لمن آمن واتقى ولأليم عذابه وشديد عقابه لمن كذب وعصى.
وقيل : المراد بمقام ربه مقامه من ربه يوم القيامة حين يسأله عن أعماله وهو كما ترى.
وقيل : معنى خاف مقام ربه خاف ربه بطريق الإقحام كما قيل في قوله « أَكْرِمِي مَثْواهُ ».