وقوله : « عُذْراً أَوْ نُذْراً » هما من المفعول له و « أَوْ » للتنويع قيل : هما مصدران بمعنى الإعذار والإنذار ، والإعذار الإتيان بما يصير به معذورا والمعنى أنهم يلقون الذكر لتكون عذرا لعباده المؤمنين بالذكر وتخويفا لغيرهم.
وقيل : ليكون عذرا يعتذر به الله إلى عباده في العقاب أنه لم يكن إلا على وجه الحكمة ، ويئول إلى إتمام الحجة ، فمحصل المعنى عليه أنهم يلقون الذكر ليكون إتماما للحجة على المكذبين وتخويفا لغيرهم ، وهو معنى حسن.
قوله تعالى : « إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ » جواب القسم ، وما موصولة والخطاب لعامة البشر ، والمراد بما توعدون يوم القيامة بما فيه من العقاب والثواب والواقع أبلغ من الكائن لما فيه من شائبة الاستقرار ، والمعنى أن الذي وعدكم الله به من البعث والعقاب والثواب سيتحقق لا محالة.
( كلام في إقسامه تعالى في القرآن )
من لطيف صنعة البيان في هذه الآيات الست أنها مع ما تتضمن الإقسام لتأكيد الخبر الذي في الجواب تتضمن الحجة على مضمون الجواب وهو وقوع الجزاء الموعود فإن التدبير الربوبي الذي يشير إليه القسم أعني إرسال المرسلات العاصفات ونشرها الصحف وفرقها وإلقاءها الذكر للنبي تدبير لا يتم إلا مع وجود التكليف الإلهي والتكليف لا يتم إلا مع تحتم وجود يوم معد للجزاء يجازى فيه العاصي والمطيع من المكلفين.
فالذي أقسم تعالى به من التدبير لتأكيد وقوع الجزاء الموعود هو بعينه حجة على وقوعه كأنه قيل : أقسم بهذه الحجة أن مدلولها واقع.
وإذا تأملت الموارد التي أورد فيها القسم في كلامه تعالى وأمعنت فيها وجدت المقسم به فيها حجة دالة على حقية الجواب كقوله تعالى في الرزق : « فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ » الذاريات : ٢٣ فإن ربوبية السماء والأرض هي المبدأ لرزق المرزوقين ، وقوله : « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » الحجر : ٧٢ فإن حياة النبي صلىاللهعليهوآله الطاهرة المصونة بعصمة من الله دالة على سكرهم وعمههم ، وقوله : « وَالشَّمْسِ وَضُحاها ـ إلى أن قال ـ وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ