قوله تعالى : « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ » دعاء على الإنسان لما أن في طبعه التوغل في اتباع الهوى ونسيان ربوبية ربه والاستكبار عن اتباع أوامره.
وقوله « ما أَكْفَرَهُ » تعجيب من مبالغة في الكفر وستر الحق الصريح وهو يرى أنه مدبر بتدبير الله لا يملك شيئا من تدبير أمره غيره تعالى.
فالمراد بالكفر مطلق ستر الحق وينطبق على إنكار الربوبية وترك العبادة ويؤيده ما في ذيل الآية من الإشارة إلى جهات من التدبير الربوبي المتناسبة مع الكفر بمعنى ستر الحق وترك العبادة ، وقد فسر بعضهم الكفر بترك الشكر وكفران النعمة وهو وإن كان معنى صحيحا في نفسه لكن الأنسب بالنظر إلى السياق هو المعنى المتقدم.
قال في الكشاف : « قُتِلَ الْإِنْسانُ » دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها و « ما أَكْفَرَهُ » تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ، ولا أخشن مسا ، ولا أدل على سخط ، ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه ، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه ، انتهى.
وقيل جملة « ما أَكْفَرَهُ » استفهامية والمعنى ما هو الذي جعله كافرا ، والوجه المتقدم أبلغ.
قوله تعالى : « مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » معناه على ما يعطيه المقام من أي شيء خلق الله الإنسان حتى يحق له أن يطغى ويستكبر عن الإيمان والطاعة ، وحذف فاعل قوله : « خَلَقَهُ » وما بعده من الأفعال للإشعار بظهوره فمن المعلوم بالفطرة ـ وقد اعترف به المشركون ـ أن لا خالق إلا الله تعالى.
والاستفهام بداعي تأكيد ما في قوله : « ما أَكْفَرَهُ » من العجب ـ والعجب إنما هو في الحوادث التي لا يظهر لها سبب ـ فأفيد أولا : أن من العجب إفراط الإنسان في كفره ثم سئل ثانيا : هل في خلقته إذ خلقه الله ما يوجب له الإفراط في الكفر فأجيب بنفيه وأن لا حجة له يحتج بها ولا عذر يعتذر به فإنه مخلوق من ماء مهين لا يملك شيئا من خلقته ولا من تدبير أمره في حياته ومماته ونشره ، وبالجملة الاستفهام توطئة للجواب الذي في قوله : « مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ » إلخ.
قوله تعالى : « مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ » تنكير « نُطْفَةٍ » للتحقير أي من نطفة مهينة حقيرة خلقة فلا يحق له وأصله هذا الأصل أن يطغى بكفره ويستكبر عن الطاعة.
وقوله « فَقَدَّرَهُ » أي أعطاه القدر في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له أن يتعدى الطور