وظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أن الوحوش محشورة كالإنسان ، ويؤيده قوله تعالى : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » الأنعام : ٣٨.
وأما تفصيل حالها بعد الحشر وما يئول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام : « أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ » وقوله : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » بعض ما يتضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبر ، وربما قيل : إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها.
قوله تعالى : « وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ » فسر التسجير بإضرام النار وفسر بالملإ والمعنى على الأول وإذا البحار أضرمت نارا ، وعلى الثاني وإذا البحار ملئت.
قوله تعالى : « وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ » أما نفوس السعداء فبنساء الجنة قال تعالى : « لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ » النساء : ٥٧ ، وقال : « وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ » الدخان : ٥٤ وأما نفوس الأشقياء فبقرناء الشياطين قال تعالى : « احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ » الصافات : ٢٢ وقال : « وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ » الزخرف : ٣٦.
قوله تعالى : « وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » الموءودة البنت التي تدفن حية وكانت العرب تئد البنات خوفا من لحوق العار بهم من أجلهن كما يشير إليه قوله تعالى : « وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ » النحل : ٥٩.
والمسئول بالحقيقة عن قتل الموءودة أبوها الوائد لها لينتصف منه وينتقم لكن عد المسئول في الآية هي الموءودة نفسها فسئلت عن سبب قتلها لنوع من التعريض والتوبيخ لقاتلها وتوطئة لأن تسأل الله الانتصاف لها من قاتلها حتى يسأل عن قتلها فيؤخذ لها منه ، فالكلام نظير قوله تعالى في عيسى عليهالسلام : « وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ » المائدة : ١١٦.
وقيل : إسناد المسئولية إلى الموءودة من المجاز العقلي والمراد كونها مسئولا عنها نظير قوله تعالى : « إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً » إسراء : ٣٤.