الفطرة السليمة به.
فإذ عاتب الإنسان ووبخه على غروره بربه الكريم واجترائه على الكفران والمعصية من غير أن يخاف الجزاء أضرب عنه مخاطبا للإنسان وكل من يشاركه في كفره ومعصيته فقال : بل أنت ومن حاله حالك تكذبون بيوم الدين والجزاء فتجحدونه ملحين عليه.
قوله تعالى : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » إشارة إلى أن أعمال الإنسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر غير حضورها للإنسان العامل لها من طريق الذكر وذلك حفظها بكتابة كتاب الأعمال من الملائكة الموكلين بالإنسان فيحاسب عليها كما قال تعالى : « وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً » إسراء : ١٤.
فقوله : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ » أي إن عليكم من قبلنا حافظين يحفظون أعمالكم بالكتابة كما يفيده السياق.
وقوله : « كِراماً كاتِبِينَ » أي أولي كرامة وعزة عند الله تعالى وقد تكرر في القرآن الكريم وصف الملائكة بالكرامة ولا يبعد أن يكون المراد به بإعانة من السياق كونهم بحسب الخلقة مصونين عن الإثم والمعصية مفطورين على العصمة ، ويؤيده قوله : « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الأنبياء : ٢٦ حيث دل على أنهم لا يريدون إلا ما أراده الله ولا يفعلون إلا ما أمرهم به ، وكذا قوله : « كِرامٍ بَرَرَةٍ » عبس ١٦.
والمراد بالكتابة في قوله : « كاتِبِينَ » كتابة الأعمال بقرينة قوله : « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » وقد تقدم في تفسير قوله : « إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » الجاثية : ٢٩ كلام في معنى كتابة الأعمال فليراجعه من شاء.
وقوله : « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » نفي لخطئهم في تشخيص الخير والشر وتمييز الحسنة والسيئة كما أن الآية السابقة متضمنة لتنزيههم عن الإثم والمعصية فهم محيطون بالأفعال على ما هي عليه من الصفة وحافظون لها على ما هي عليه.
ولا تعيين في هذه الآيات لعدة هؤلاء الملائكة الموكلين على كتابة أعمال الإنسان نعم المستفاد من قوله تعالى : « إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ » ق : ١٧ إن على كل إنسان منهم اثنين عن يمينه وشماله ، وقد ورد في الروايات المأثورة أن الذي على اليمين كاتب الحسنات والذي على الشمال كاتب السيئات.