باعتبار عَقْرِ الدنّ ، لشدّة ما فيها ، قال : واختاره ابنُ فارس في كتابه الذي أَلفه في فقه اللغة والعربية.
ونقل الجلال عن الكَيّا فِي تعليقه في الأُصول : الأَلفاظ التي لمعنى واحد تنقسم إِلى أَلفاظ مترادفة ، وأَلفاظ متواردة.
فالمترادفة كما يُسمَّى الخمْر عُقاراً وصَهْبَاء وقهوة ، والسبع لَيْثاً وأَسداً وضِرْغاماً.
والمتواردة هي التي يقام لفظُ مُقام لفظٍ ، لمعان متقاربةٍ. يجمعها معنى واحد ، كما يقال : أَصلَح الفاسد ، ولَمَّ الشَّعَث ، ورتَقَ الفَتْقَ ، وشَعب الصَّدْعَ ، انتهى.
قال : وهذا تقسيم غريب ، وقد أَلَّف فيه القاضي مجد الدين الشيرازي كتاباً وسماه «الرَّوْضُ المسلُوف فيما له اسمان إِلى الأُلوف».
وأَما المعرّب
فهو ما استعملته العرب من الأَلفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها ، قال الجوهري في الصحاح : تعريب الاسم الأَعجمي أَن تتفوّه به العربُ على مِنْهَاجِها ، تقول : عرّبته العرب وأَعْربته. وأَما لُغات العجم في القرآن فرُوي عن ابن عباسٍ وعطاء ومُجاهدٍ وعِكْرمة أَنهم قالوا فِي أَحرف كثيرة إِنها بلغات العجم ، وقال أَهل العربية : إِن القرآن ليس فيه من كَلَام العجم شيء ، لقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) (١) وقولِه : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢) : قال أَبو عبيدة والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديقُ القولينِ جميعاً ، وذلك أَن هذه الحروف أُصولُها أَعجمية ، كما قال الفقهاءُ ، إِلّا أَنَّها سقطت إِلى العرب فأَعربتها بأَلسنتها ، وحوّلتها عن أَلفاظ العجم إِلى أَلفاظها ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ، فمن قال إِنها عربية فهو صادق ، ومن قال عَجَميّة فهو صادق ، اه.
وقد أَلف فيه الإِمام أَبو منصور الجَواليقي وغيره.
ثم ذكر الجلال فائدة نصها : سُئل بعض العلماء عما عرّبته العرب من اللغات واستعملته في كلامها : هل يُعطى حُكْمَ كلامِها فيشتق ويشتق منه؟ فأجاب بما نصه : ما عرَّبته العرب من اللغات واستعملته في كلامها ، من فارسيّ وروميّ وحبشيّ وغيره ، وأَدخلته في كلامها ، على ضربين.
أَحدهما أَسماء الأَجناس كالفِرِند والإِبْرَيْسَم واللّجام والآجُر والباذِقِ والقِسْطاس والإِستبرق.
والثاني ما كان في تلك اللغات علَماً فأَجروه على عَلمِيّته كما كان ، لكنهم غيَّرُوا لفظه ، وقرَّبوه من أَلفاظهم ، وربما أَلحقوه بأَبْنِيَتِهم ، وربما لم يُلْحِقُوه ، ويشاركه الضَّرْبُ الأَوّل في هذا الحكم لا في العلمية ، إِلا أَنه يُنْقَل كما يُنْقَل العربيّ ، وهذا الثاني هو المعتَدّ كما يُنْقَل بعجمته في منع الصرف ، بخلاف الأَوّل ، وذلك كإِبراهيم وإِسماعيل ، وإِسحاق ويعقوب وجميع الأَنبياء إِلا ما استُثْنِيَ منها من العربيّ كهودٍ وصالح ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وغير الأَنبياء كَبيرُوز وتكِين ورُسْتم وهُرْمز ، وكأَسماء البلدان التي هي غير عربية ، كإِصْطَخر ومرْوُ وبَلْخ وسَمَرْقَنْد وقنْدهار وخُراسان وكِرْمان وكوركان وغير ذلك.
فما كان من الضرب الأَوّل فأَشرف أَحواله أَن يُجْرى عليهِ حُكْمُ العربيّ فلا يُتَجاوزُ به حُكمُه.
فقول السائل : يشتقُّ.
جوابُه المنْعُ ، لأَنه لا يخلو أَن يُشتقّ من لفظٍ عربيٍ أَو عجميّ مثله ، ومحال أَن يُشتَقَّ العجميّ من العربيّ أَو العربيّ منه ، لأَن اللغات لا تُشتقّ الواحدة منها من الأُخرى ، مُواضَعةً كانت في الأَصل أَو إِلهاماً ، وإِنما يُشتقّ في اللغة الواحدة بعضِها من بعض ، لأَن الاشتقاق نِتاجٌ وتَوْلِيد ، ومحال أَنْ تَلِد المرأَة إِلا إِنساناً ، وقد قال أَبو بكر محمد بن السريّ في رسالته في الاشتقاق وهي أَهم ما وضع في هذا الفنّ من علوم اللسان : ومن اشتق العجمي المعرّب من العربي كان كمن ادّعى أَن الطير من الحوت.
وقول السائل : ويشتق منه.
فقد لعمري يُجْرَى على هذا الضرب المُجْرَى مُجْرَى العربي كثيرٌ من الأَحكام الجارية على العربي ، من تصرّف فيه ، واشتقاق منه ، ثم أَورد أَمثلة كاللجام وأَنه معرب من لغام ، وقد جُمع على لُجُم ككُتب ، وصُغِّر على لُجَيْم ،
__________________
(١) سورة يوسف الآية ٢.
(٢) سورة الشعراء ١٩٥.