مختلفة ، فمن ذلك ما قاله الأَديب البارع نُور الدين عليّ بن محمد العفيف المكّي المعروف بالعليفي. قلت : ووالده الأَديب جمال الدين محمد بن حسن بن عيسى ، شُهر بابن العليف ، توفي بمكة سنة ٨١٥ ، كذا في ذيل الحافظ تقي الدين بن فهد على ذيل الشريف أَبي المحاسن. ثم قال شيخنا : وقد سمعتهما من أَشياخنا الأَئمة مرَّات ، ورأَيتهما بخط والدي قدسسره في مواضع من تقاييده ، وسمعتهما منه غير مرَّة ، وقال لي إِنه قالهما لما قُرِىء عليه كتاب القاموس :
مُذْ مَدَّ مجد الدِّينِ في أَيَّامِهِ |
|
مِنْ بعْضِ أَبْحُرِ عِلْمِهِ القَامُوسَا |
ذَهَبَتْ صِحَاحُ الجَوْهَرِيِّ كأَنَّها |
|
سِحْرُ المدائِن حِينَ أَلْقَى مُوسَى |
وفي بعض الروايات «واحد عصره» بدل في «أَيامه» و «فيض» بدل «بعض» و «أَضحت» بدل «ذهبت». قلت :
ومثله أَنشدنا الأَديب البارع عثمان بن عليٍّ الجبيلي الزَّبيدي والفقيه المفنّن عبد الله بن سُليمان الجرهزِي الشافعي إِلا أَنهما نسباهما إِلى الإِمام شهاب الدين الردّاد ، أَنشدهما لما قُرىء عليه القاموس ، ونص إِنشادهما.
مُذْ مَدّ مجدُ الدّين في أَرجَائنا
وفي «القاموسا» و «أَلقى موسى» جناس تام ، وقد استظرَفَت أَديبة عَصْرِها زينب بنت أَحمد بن محمد الحسنية المتوفاة بشهارة سنة ١١١٤ إِذ كتبت إِلى السيد موسى بن المتوكل تطلب منه القاموس فقالت :
مَوْلَاي مُوسَى بالذِي سَمَكَ السَّمَا |
|
وبِحَقِّ مَنْ فِي اليَمِّ أَلْقَى مُوسَى |
أُمْنُنْ عليّ بِعارَةٍ مَرْدُودَةٍ |
|
واسْمَح بفضْلِك وابْعَثِ القَامُوسَا |
قال شيخنا : وقد رَدّ على القول الأَوّل أَديبُ الشأْم وصُوفِيّه شيخ مشايخنا العلّامة عبدُ الغني بن إِسماعيل الكِناني المقدسي المعروف بابن النابُلسي ، قدّس سره ، كما أَسمعنا غيرُ واحدٍ من مشايخنا الأَعلام عنه :
مَنْ قَال قَدْ بَطَلَتْ صِحَاحُ الجَوْهَرِي |
|
لَمّا أَتى القَامُوسُ فَهْوَ المُفْتَرِي |
قُلْتُ اسْمُه القَامُوسُ وَهْوَ البَحْرُ إِنْ |
|
يَفْخَرْ فَمُعْظَمُ فَخْرِه بالجَوْهَرِي |
قلت وأَصل ذلك قولُ أَبي عبد الله رحمهالله :
لله قاموسٌ يَطيبُ وُرُودُه |
|
أَغْنَى الوَرَى عَنْ كُلِّ مَعْنًى أَزْهَرِ |
نَبَذ الصحاحَ بلَفظه والبَحْر مِن |
|
عَادَاته يُلْقِي صحَاحَ الجَوْهَرِي |
ونُقل من خطّ المجدِ صاحبِ القاموس قال : أَنشدنا الفقيهُ جمالُ الدين محمد بن صباح الصباحيّ لنفسه في مدح هذا الكتاب :
مَنْ رَامَ فِي اللُّغَةِ العُلُوَّ عَلَى السُّهَا |
|
فَعَلَيْهِ مِنْهَا مَا حَوى قامُوسُهَا |
مُغْنٍ عَن الكُتُبِ النَّفيسَةِ كُلِّها |
|
جَمَّاعُ شَمْلِ شَتِيتِهَا نامُوسُهَا |
فَإِذا دَواوِينُ العُلُومِ تَجَمَّعَتْ |
|
في مَحْفِلٍ للدَّرْسِ فَهْوَ عَرُوسُهَا |
لِلّه مَجْدُ الدِّينِ خَيْرُ مُؤَلِّفِ |
|
مَلَك الأَئمَّةَ وافتَدَتْه نُفُوسُها |
ووجدت لبعضِهم ما نصّه :
أَلَا لَيْسَ مِنْ كُتْبِ اللُّغاتِ مُحَقَّقاً |
|
يُشَابِهُ هذَا في الإِحاطَةِ والجَمْعِ |
لَقَدْ ضَمَّ ما يَحْوِي سِوَاهُ وفَاقَه |
||
بِما اختَصَّ مِنْ وَضْعٍ جَمِيلٍ ومن صُنْعِ |
ولما رأَيتُ إِقبال الناسِ أَي توجُّه خاطِرِ علماء وقته وغيرهم بالاعتناء الزائد والاهتمام الكثيرِ. على صِحاح الإِمام أَبي نصر إِسماعيل بن نصر بن حَمّاد. الجوهريِّ لِبيع الجوهر ، أَو لحسن خَطِّهِ أَو غير ذلك ، الفارابيّ نِسبةً إِلى مدينة ببلاد الترك ، وسيأْتي في ف ر ب من أَذكياء العالم ، وكان بخطِّه يُضرَب المثل ، توفي في حدود الأَربعمائة ، على اختلاف في التعيين ، اختُلِف في ضَبْط لفظ الصحاح ، فالجاري على أَلسِنة الناس الكسر ، ويُنكرون الفتح ، ورَجّحه الخطيب التبريزي على الفتح ، وأَقرَّه السيوطي في المزهر ، ومنهم من رجَّح الفتح ، قال شيخنا : والحق صِحَّة الروايتين وثبوتُهما من حيث المعنى ، ولم يرد عن المؤلف