في تخصيص أَحدِهما بالسَّند الصحيح ما يُصار إِليه ولا يُعْدل عنه. وهو أَي الكتاب أَو مؤلفه. جَدِير أَي حَقيق وحَرِيّ. بذلك الإِقبال ، قال شيخنا : وقد مدحه غيرُ واحد من الأَفاضل ، ووصفوا كِتابه بالإِجادة ، لالتزامه الصحيح ، وبَسْطه الكلام ، وإِيراده الشواهد على ذلك ، ونقله كلام أَهل الفن دون تصرف فيه ، وغير ذلك من المحاسن التي لا تُحْصَى ، وقد رزقه الله تعالى شُهرة فاق بها كلَّ من تقدمه أَو تأَخّر عنه ، ولم يَصل شيء من المصنَّفات اللغوية فِي كثرة التداول والاعتماد على ما فيه ما وصل إِليه الصحاح ، وقد أَنشد الإِمام أَبو منصور الثعالبيّ لأَبي محمد إِسماعيل بن محمد بن عبدوس النيسابوري :
هذَا كِتَابُ الصَّحَاح سَيِّدُ ما |
|
صُنِّفَ قَبْلَ الصّحَاح في الأَدبِ |
تَشمَلُ أَبوابُهُ وتَجْمَعُ مَا |
|
فُرِّقَ في غَيْرِه مِنَ الكُتُبِ |
غير أَنه أَي الصحاح قد. فاتَه أَي ذَهب عنه. نِصف اللغةِ كذا في نسخة مكّية ، وفي الناصِرِيّة على ما قيل ثُلثا اللُغة. أَو أَكثرُ من ذلك ، أَي فهو غير تام ، لفوات اللغة الكثيرة فيه. قال شيخنا : وصريح هذا النقل يدلّ على أَنه جمع اللغة كلها وأَحاط بأَسرها ، وهذا أَمر متعذّر لا يمكن لأَحد من الآحاد إِلا الأَنبياء عليهم الصلاة والسلام. قلت : وقد تقدم في أَوّل الكتاب نصُّ الإِمام الشافعيّ رضياللهعنه فيه ، فإِذا عرفت ذلك ظهر لك أَن ادِّعاءَ المصنّف حَصْر الفوات بالنصف أَو الثلثين في غير محلّه ، لأَن اللغة ليس يُنال مُنتهاها ، فلا يُعرَف لها نِصف ولا ثُلث ، ثم إِن الجوهريّ ما ادّعى الإِحاطة ، ولا سَمَّى كتابه البحر ولا القاموس ، وإِنما التزم أَن يورد فيه الصحيح عنده ، فلا يلزمه كل الصحيح ، ولا الصحيح عند غيره ، ولا غير الصحيح ، وهو ظاهر ، انتهى. ثم بيّن وجه الفوات فقال : إِما بإِهمال أَي ترك. المادّة وهي حروف اللفظ الدالّ على المعنى ، والمراد عدم ذكرها بالكلّيّة أَو بترك المعاني الغريبة أَي عن كثير من الأَفهام ، لعدم تداولها. النّادّة أَي الشارِدة النافِرة. أَردْت أَن يظهر أَي ينكشف. للنّاظِر المتأَمّل. بَادِيَ منصوب على الظرفية مضاف إِلى. بَدَا (*) أَي أَوّل كل شيء قبل الشروع في غيره. فَضْلُ كِتابي هذا عليه أَي الصحاح. فكتبت بالحُمرة المادَّةَ أَي اللفظة أَو الكلمة. المهمَلةَ أَي المتروكة. لَدَيْه أَي الصحاح. وفي سَائِر التَّراكِيبِ أَي باقيها أَو جميعها. تتَّضِح أَي تتبين وتظهر ظهوراً واضحاً. المَزيَّة الفضيلة والمأْثرة. بالتَّوَجُّه أَي الإِقبال وصرف الهمّة. إِليه أَي إِلى كتابه ، وفي هذا الكلام بيان أَن الموادّ التي تركها الجوهريّ رحمهالله وزادها المصنف ميّزها بما يعرّفها ، وهي كتابتها بالحمرة ، لإِظهار الفضل السابق ، ولشيخنا رحمهالله هنا كلام ، لم نعطف إِلى بيانه زِمام ، فإِنه مورث للملام ، والله سبحانه الملك العلّام. ولم أَذْكُر ذلك إِشارة إِلى ما تقدم من مدح كتابه وذكر مناقبه. إِشاعةً أَي إِذاعة وإِظهاراً. للمَفَاخر جمع مَفخَر ومَفَخُرة بالفتح فيهما ، وبضم الثالث في الثاني لغة ، مفعل من الفَخْر ، ويقال الفَخَار والافتخار ، هو المدح بالخصال المحمودة ، قال شيخنا : وجوّز البدر القرافي ضبط المفاخر بضم الميم اسم فاعل من فاخَرَه مُفاخرةً ، وجعله متعلِّقاً بأَذكر ، أَي لم أَذكره للشخص المفاخِر الذي يفاخرني فأَفتخر عليه بالكتاب ، وهو من البعد بمكان. بل إِذاعةً أَي نشراً وإِفشاء. لقوْل أَبي تمام حَبيب بن أَوس الطائي. الشَاعر المعروف وهو :
لَا زِلْتَ مِنْ شُكْرِيَ في حُلَّةٍ |
|
لابِسُها ذُو سَلَبٍ فَاخِرٍ |
يَقُولُ مَنْ تَقْرَعُ أَسْمَاعَهُ |
|
كَمْ تَرَك الأَوَّلُ لِلآخِرِ |
وهذا الشطر الأَخير جارٍ في الأَمثال المتداولة المشهورة حتى قال الجاحظ :
مَا عَلِم النَّاسُ سِوَى قَوْلِهِم |
|
كَمْ تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ |
ثم إِن قوله (١) «ولم أَذكر ذلك» إِلخ ثبت في نُسخة المؤلف ، كما صرح به المحبّ بن الشحنة ، وأَثبته البدر
__________________
(*) في القاموس : بَدْءٍ.
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله ثم إِن قوله الخ» هذه الجملة من كلام شيخه ، وليست من كلام الشارح. فكان عليه عزوه إِليه ليبرأ من الرد عليه بما قاله قبل في شأن شرح المناوي أنه سمع به ولم تصل يده إِليه. قال : وكم وجهت رائد الطلب إليه ولم أقف إِلى الآن عليه ا ه من شرح ديباجة القاموس.