[برح] : البَرْحُ ، بفتح فسكون : الشِّدَّةُ والشَّرُّ والأَذَى والعَذابُ الشَّديدُ والمَشَقَّةُ. والبَرْحُ : ع باليَمَنِ. ويقال : لَقِيَ منه بَرْحاً بارِحاً ، أَي شدَّةً وأَذًى ، مُبالَغَةٌ وتأكيد ، كلَيْل أَلْيَلَ ، وظِلٍّ ، وكذا بَرْحٌ مُبْرِحٌ. فإِنْ دَعَوْتَ به فالمختار النَّصْب ، وقد يُرْفَع. وقول الشاعر :
أَمُنْحدِراً تَرْمِي بك العِيسُ غُرْبَةً |
|
ومُصْعِدةً؟ بَرْحٌ لِعَيْنَيْكَ بارِحُ |
يكون دُعاءً ، ويكون خَبَراً.
وفي حديث أَهلِ النَّهْرَوانِ : «لَقُوا بَرْحاً» ، أَي شِدَّةً. وأَنشد الجوهريّ :
أَجدَّك ، هذا عَمْرَك الله كُلَّما |
|
دَعاكَ الهَوَى ، بَرْحٌ لعينيكَ بارِحُ |
ولَقِيَ منه البُرَحِينَ ، بضمّ الباءِ وكسر الحاءِ. على أَنه جمعٌ ، ومنهم من ضَبطه بفتحِ الحاءِ على أَنه مثنًّى ، والأَوّل أَصْوبُ ، وتُثَلَّث البَاءُ ، ـ مُقتضَى قاعدِته أَن يُقَدَّرَ بالفتح ، ثم يُعْطَف عليه ما بعده ، كأَنه قال : البَرَحينَ ، بالفتح ، ويُثلَّث ، فيقتضي أَن الفَتْحَ مُقدَّمٌ.
قال شيخُنا : وهو ساقطٌ في أَكثر الدَّواوينِ ، لأَنّ المعروف عندهم فيه هو صّمُّ الباءِ وكَسْرُها ، كما في الصّحاح وغيره ، والفتح قَلَّ مَنْ ذَكَره ، ففي كلامه نَظَرٌ ظاهرٌ.
قلت : الفَتْحُ ذكرَه ابنُ منظورٍ في اللسان ، وكفى به عُمْدَةً ، فلا نَظَرَ في كلامه ـ أَي الدَّواهِيَ والشَّدائدَ ، وعبارة اللسان : «أَي الشِّدّة (١) والدَّواهِيَ ، كأَنّ واحِدَ البِرَحِين بِرَحٌ ، ولم يُنْطَق به ، إِلّا أَنهُ مقدَّرٌ ، كأَن سبيله أَن يكون الواحدُ بِرَحَةً ، بالتأَنيث ، كما قالوا داهِيَةٌ ، فلما لم تَظهر الهاءُ في الواحد جَعلوا جْمعَه بالواو والنُّون عِوَضاً مِن الهاءِ المقدّرة ، وجَرَى ذلك مَجْرَى أَرْضٍ وأَرَضِينَ. وإِنّما لم يَستعملوا في هذا الإِفرادَ ، فيقولوا : بِرَحٌ ، واقتصروا فيه على الجَمْع دون الإِفراد من حيثُ كانوا يَصِفون الدَّوَاهيَ بالكثرةِ والعُمومِ والاشتمال والغَلَبةِ. والقَوْلُ في الأَقْوَرِينَ (٢) كالقول في هذه.
وبُرْحَةُ كلِّ شيْءٍ خِيارُه (٣). ويقال : هذه بُرْحَةٌ من البُرَحِ ، بالضَّمّ فيهما ، أَي ناقةٌ من خِيارِ الإِبلِ.
وفي التهذيب : يُقال للبعير : هو بُرْحَةٌ من البُرَحِ : يريد أَنّه من خِيارِ الإِبلِ.
والبارِحُ : الرِّيحُ الحارَّةُ ، كذا في الصحاح. قال أَبو زيد : هو الشّمال في الصَّيْف خاصَّةً ، ج بَوارِحُ. وقيل : هي الرِّياحُ الشَّدائدُ التي تَحمِل التُّرابَ في شِدّةِ الهُبوب ، قال الأَزهريّ : وكلامُ العربِ الّذين شاهدْتهم على ما قال أَبو زيدٍ. وقال ابنُ كِنَاسَةَ : كلُّ رِيحٍ تكون في نُجومِ القَيْظِ فهي عند العرب بَوارِحُ. قال : وأَكثرُ ما تَهُبُّ بنُجومِ المِيزانِ ، وهي السَّمائِمُ. قال ذو الرُّمّة :
لا بَلْ هُو الشَّوْقُ مِن دَارٍ تَخَوَّنَها |
|
مَرّاً سَحَابٌ ومَرّاً بارِحٌ تَرِبُ |
فنَسَبها إِلى التُّرابِ لأَنّها قَيْظيَّة لا رِبْعيّة. وبَوارِحُ الصَّيف كُلُّها تَرِبَةٌ.
والبارِحُ من الصَّيْدِ ، من الظِّباءِ والطَّيْر والوَحْش : خِلافُ السَّانِحِ ، وقد بَرَحَتْ تَبْرُحُ بُرُوحاً ، وهو ما مَرّ من مَيامِنِك إِلى مَياسِرِك ، والعرب تَتَطيَّر به ، لأَنّه لا يُمكِّنك أَن تَرْمِيَهُ حتّى تَنْحَرِفَ. والسَّانِحُ : ما مَرَّ بين يَديْك من جهةِ يَسارِك إِلى يَمينك ، والعَرب تَتَيَمَّنُ به ، لأَنه أَمْكَنَ للرَّمْي والصَّيدِ.
وفي المَثَل : «مَنْ لي بالسَّانِح بعد البَارِح». يُضْرَب للرَّجُل يُسِيءُ [الرجلَ]. فيقال : [له] (٤) : إِنه سوف يُحسِنُ إِليك ، فيُضْرَب هذا المَثلُ. وأَصْلُ ذلك أَنّ رَجلاً مرَّتْ به ظباءٌ بارِحَةٌ ، فقيل له : إِنّها سَوْفَ تَسْنَح لك. فقال : «مَنْ لي بالسَّانِح بعدَ البَارِحِ؟» ، كالبَرُوحِ والبَرِيحِ كَصَبورٍ وأَمير.
والعرب تقول : فعَلْنَا البارِحَةَ كذا وكذا ، وهو أَقْرَبُ ليلةٍ مَضَتْ ، وهو من بَرِحَ : أَي زَالَ ، ولا يُحَقَّر. قال ثَعلَبٌ : حُكِيَ عن أَبي زيد أَنه قال : تُقول مُذْ غُدْوَةٍ إِلى أَن تزولَ الشّمسُ : رأَيْتُ الليلةَ في مَنامي ، فإِذا زالَتْ قلتَ : رأَيتُ البارِحةَ. وذكر السِّيرافيّ في أَخبار (٥) النُّحاة عن يُونس قال :
__________________
(١) في اللسان : الشدائد.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : والقول الخ ، عبارة اللسان : والقول في الفتكرين والأقورين الخ».
(٣) هو قول أبي عمرو كما في التهذيب.
(٤) زيادة عن اللسان.
(٥) عن اللسان ، وبالأصل «اختيار».