الحس المشترك والمخيلة والذاكرة ، بواسطة المجاهدات. وذلك كله ظن وفعل ما ظنوا أمر خارج عن الطبع (١).
ويتابع ابن رشد (٥٢٠ ـ ٥٩٥ ه) الدرب عينه ليلخص لنا موقفا مهما ، جاعلا الخطاب الديني متوافقا مع ما يقرره العقل إما بالبيان الظاهر وإما بتأويل الدلالة من غير «أن يخلّ ذلك بعادة لسان العرب في التجوّز أو سببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء ، التي عودت في تعريف أصناف الكلام المجازي» (٢). فالتشديد هنا يركّز على سلطتي العقل وبناء اللغة أو ما سمّي عادة لسان العرب.
ولا مندوحة عن القول بأن المصطلح العربي رافق التجربة اللغوية العربية والمعرفية الاسلامية بتعدّدها ، فشكّل سيرورة بنائية دلالية معرفية ، إذ تضمن في مراحله والمسار محطات رئيسة بارزة :
ـ اصطلاح على أسماء وألفاظ بين القوم لها موضع أول ، أي دلالة حسية.
ـ دلالة بيانية دينية نقلت الألفاظ إلى مضامين مجردة وحادثة.
ـ دلالة اختصت بمعان عقلية مجرّدة حادثة ووافدة.
ـ دلالة على معان ليس لها اتصال لغوي أو معرفي في حياة العرب.
ـ دلالة على معاني علوم واختصاصات تطبيقية.
ولا بأس ، فإنّ هذه المحطات تعبّر عن مجالات الدلالة في اللسن العربي وكيفية حدوث المعاني بسبر جامع لأكثر الحالات المتعلّقة بمفاصل حدوث المصطلح.
ولعلّنا نعثر في الكشاف على كل ذلك.
المصطلح بين الوقف والوضع :
وينقلنا ما تقدّم من تعرّف على دلالة المصطلح لغة إلى التعرّف على أصل المسألة الاصطلاحية ومنبتها. ويتمثّل ذلك في التساؤل : هل المصطلحات والألفاظ موضوعة وضعا مسبقا؟ أهي توقيف؟ وصيغ التساؤل قديما : هل وردتنا عن الله أم صنعها الانسان بعد أن خلقه الله؟ (٣)
__________________
(١) ابن باجة ، رسائل ابن باجة الالهية ، تحقيق ماجد فخري ، بيروت ، دار النهار ، ١٩٦٨ ، ص ص ٥٣ ـ ٥٥ وص ص ١٢١ ـ ١٤١.
(٢) ابن رشد ، فصل المقال ، القاهرة ، المكتبة المحمودية ، ١٩٦٨ ، ص ١٦.
(٣) الكفوي ، أبو البقاء ، الكليات ، دمشق ، الثقافة والارشاد القومي ، ١٩٨١ ، ج ١ ، ص ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.