والمضمون ، أو لهما معاً ، مما جعل عبد القاهر يرفض التطرف في الرأيين وينفرد بإدراك العلاقة القائمة بين الشكل والمحتوى ، فيعود بذلك إلى ما أسماه بالنظم تارة ، وبالتأليف تارة أخرى (١) ، وهو لا يريد بهذا إلا الصورة الفنية في كثير من حدود صيغتها الاصطلاحية وليستدل من بعد هذا على أن الصورة غير منفردة دون فن ، وإنما تشمل فنون القول بعامة ، أي إنها لا تنطبق على الشعر فحسب بل تتعداه إلى العمل الأدبي بشقيه ، إذا توافقت أصوله ، وحسن تأليفه وتناسب نظمه ، وبذلك تستوعب الصورة صنوف البيان ، بدليل إخضاع مفهومها عنده لآيات القرآن الكريم ، وإثبات إعجازه ، كما هو واضح لمن استقرأ دلائل الإعجاز ، وأسرار البلاغة. فعبد القاهر الجرجاني أول منظر لمصطلح الصورة ، وأول قائل بها.
وعليه فالصورة الفنية جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة العربية في القرنين الرابع والخامس قبل الهجرة ، قبل أن تستحدث دلالتها المعاصرة عند الأوروبيين بعدة قرون.
ب ـ إن مصطلح الصورة عند النقاد المحدثين لا سيما الأوروبيين ممن عرضنا لآرائهم وتعاريفهم قد بدا متأرجحاً بين مداليل لا التقاء بين أكثرها وقد يتخلل تعبيرها الغموض وعدم التحديد ، وألفاظها وإن كانت لا تخلو من طرافة ونعومة إلا أنها عاجزة عن تحديد المصطلح تحديداً علمياً ، فالضلال ، والألوان ، والحركة ، والحس ، والرسم ، والمشهد ، والعشوى ، الكائن ، والحي ، والإيحاء ، والشحن ، والعاطفة ، والفكرة ، وفوق المنطق.. كل أولئك من الكلمات التي حشرت لتفسير معنى الصورة ، ولا يتم معها الضبط العلمي ، ولا يعلم المراد منها على وجه التحقيق ، إلا إنها تحوم حول المصطلح ولا تفصح عنه.
ولعل أقرب التعاريف وجهاً ـ فيما يبدو لي ـ وهو تعريف الأستاذ أحمد الشايب ، وأن استنبطه عن الشكل والمضمون ، وبحث عن العنصر الثالث المفقود واعتبره الصورة.
ولا شك أن تعريف الدكتور داود سلوم للصورة امتداد طبيعي لنظرية
__________________
(١) الجرجاني : أسرار البلاغة : ٧.