وعَجِبْتُ به أَنَّى يكونُ غِناؤُها (١)
وفي الصِّحاح : الغِناءُ ، بالكسْرِ ، من السماعِ.
وفي النِّهايةِ : هو رَفْعُ الصَّوْتِ وموالاته.
وفي المِصْباح : وقِياسُه الضَّم لأنَّه صَوْتٌ.
والغَناءُ ، كسَماءٍ : رَمْلٌ بعَيْنِه ، هكذا ضَبَطَه الأزْهرِي ، وأَنْشَدَ لذي الرُّمَّة :
تَنَطَّقْنَ من رمْلِ الغَناءِ وعُلِّقَتْ |
|
بأَعْناقِ أُدْمانِ الظِّباءِ القَلائِدُ (٢) |
أَي اتَّخَذْنَ من رَمْلِ الغَناءِ أَعْجازاً كالكُثْبانِ ، وكأَنَّ أَعْناقَهُنَّ أعْناقُ الظِّباءِ. وهو في كتابِ المُحْكم بالكَسْر مع المدِّ مَضْبوطٌ بالقَلَمِ ، وأَنْشَدَ للرَّاعي :
لها خُصُورٌ وأَعْجازٌ يَنُوءُ بها |
|
رَمْلُ الغِنَاءِ وأَعْلَى مَتْنِها رُودُ (٣) |
وغَنَّاهُ الشِّعْرَ ، وغَنَّى به تَغْنِيَةً وتَغَنَّى به بمعْنًى واحِدٍ ، قالَ الشاعرُ :
تَغَنَّ بالشِّعْرِ إِمَّا كنتَ قائِلَه |
|
إنَّ الغِناءَ بهذا الشِّعْرِ مِضْمارُ (٤) |
أَي : إنَّ التَّغَنِّي ، فوَضَعَ الاسْمَ مَوْضِعَ المَصْدرِ. وعليه حُمِلَ قوْلُه صلىاللهعليهوسلم : «ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كَإِذْنِهِ لنَبيِّ أَن يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ» ، قالَ الأزْهرِي : أَخْبَرنِي عبدُ الملِكِ البَغَوي عن الرَّبيعِ عن الشافِعِي أَنَّ مَعْناه تَحْزِينُ (٥) القِراءَةِ وتَرْقِيقُها ، ويَشْهَدُ له الحديثُ الآخَرُ : «زَيِّنُوا القُرْآنَ بأصْوَاتِكُم» ، وبه قالَ أَبو عُبيدٍ. وقالَ أَبُو العبَّاس : الذي حَصَّلْناه من حُفَّاظ اللغَةِ في هذا الحديثِ أَنَّه بمعْنَى الاسْتِغْناءِ ، وبمعْنَى التَّطْرِيبِ.
وفي النهاية : قالَ ابنُ الأعْرابي كانتِ العَرَبُ تَتَغَنَّى بالرُّكْبانِ (٦) إذا رَكِبَتِ ، وإذا جَلَسَتْ ، فَأَحَبَّ النبيُّ صلىاللهعليهوسلم ، أن يكونَ هِجِّيرَاهُم بالقُرآنِ مكانَ التَّغنِّي بالرُّكْبانِ (١).
وغَنَّى بالمرْأَةِ : تَغَزَّلَ بها ، أَي ذَكَرَها في شِعْرِه ، قالَ الشاعرُ :
ألا غَنِّنا بالزَّاهِرِيَّة إِنَّني |
|
على النَّأْي ممَّا أَن أُلِمَّ بها ذِكْرَا |
وغَنَّى بزَيْدٍ : مَدَحَهُ ، أَو هَجَاهُ ، كتَغَنَّى فيهما ، أَي في المدْحِ والهَجْوِ ، ويُرْوَى أَنَّ بعضَ بَني كُلَيْب قالَ لجريرٍ : هذا غَسَّانُ السَّلِيطِي يَتغَنَّى بنا أَي يَهْجُونا ، قالَ جريرٌ :
غَضِبْتُم علينا أَمْ تَغَنَّيْتُم بنا |
|
أَنِ اخْضَرَّ من بَطْنِ التِّلاعِ غَمِيرُها |
قالَ ابنُ سِيدَه : وعنْدِي أنَّ الغَزَلَ والمَدْحَ والهِجاءَ إنَّما يقالُ في كلِّ واحِدٍ منها غَنَّيْت وتَغَنّيْت بَعْدَ أن يُلَحَّنَ فيُغَنَّى به.
وغَنَّى الحَمامُ : صَوَّتَ ، قالَ القُطامي :
خلا أنها ليست تغنى حمامة |
|
على ساقها إلّا ادَّكرتَ ربابا |
وبَيْنَهُم أُغْنِيَّةٌ كأُثْفِيَّةٍ ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِي ، ويُخَفَّفُ ، عن ابنِ سِيدَه ، قالَ : وليسَتْ بالقَوِيَّة إذ ليسَ في الكَلامِ أُفْعُله إلَّا أُسْنُمة ، فيمَنْ رَواهُ بالضمِّ.
* قُلْت : الضمُّ في أُسْنُمة رُوِيَ عن ثَعْلب وابنِ الأعْرابي ، وقد ذُكِرَ في محلِّه. ويُكْسَرانِ ، نقلَهُ الصَّاغاني عن الفرَّاء : نَوْعٌ من الغِناءِ ، يَتَغَنّونَ به ، والجمْعُ الأغاني ، وبه سَمَّى أَبو الفَرَج الأصْبَهاني كتابَهُ لاشْتِمالِه على تَلاحِين الغِناءِ ، وهو كِتابٌ جليلٌ اسْتَفَدْتُ منه كثيراً.
وتَغانَوْا : اسْتَغْنَى بعضُهم عن بعضٍ ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِي للمُغِيرَة بنِ حَبْناء التَمِيمِي :
__________________
(١) اللسان وعجزه :
فصيحاً ، ولم تفغر بمنطقها فما
(٢) ديوانه ص ١٢٧ واللسان والتهذيب بفتح الغين ، وفي ياقوت : «الغناء» نص على كسرها وذكر بيت ذي الرمة.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ٥٦ وضبطت بفتحة وكسرة لفظة الغناء عنه ، وفيه : رؤد بالهمز ، والبيت في اللسان والتكملة وفيهما رؤد بالهمز ، وفي ياقوت بدون همزة.
(٤) اللسان.
(٥) في التهذيب وغريب الهروي كالأصل ، وفي اللسان والنهاية : «تحسين».
(٦) في النهاية : «بالركباني» وبهامشها : هو نشيد بالمد والتمطيط.