بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه الذى رضى الحمد كفاء نعمته ، وصلى اللّه على سيدنا محمد مصطفاه من بريته ، وعلى آله وصحبه وعترته وبعد ، فهذا كتاب «نهج البلاغة» وهو ما اختاره الشريف الرضى أبو الحسن محمد ابن الحسن الموسوى ، من كلام أمير المؤمنين على بن ابى طالب رضى اللّه عنه ، وهو الكتاب الذى جمع بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها ، وتهيأت به للناظر فيه أسباب الفصاحة ، ودنا منه قطافها ، إذ كان من كلام أفصح الخلق ـ بعد الرسول صلى اللّه عليه وسلم ـ منطقا ، واشدهم اقتدارا ، وأبرعهم حجة ، وأملكهم للغة يديرها كيف شاء ، الحكيم الذى تصدر الحكمة عن بيانه ، والخطيب الذى يملأ القلب سحر لسانه ، العالم الذى تهيأ له من خلاط الرسول وكتابة الوحى والكفاح عن الدين بسيفه ولسانه منذ حداثته ما لم يتهيأ لأحد سواه. هذا كتاب «نهج البلاغة» وأنا به حفى منذ طراءة السن وميعة الشباب ، فلقد كنت أجد والدى كثير القراءة فيه ، وكنت أجد عمى الأكبر يقضى معه طويل الساعات يردد عباراته ، ويستخرج معانيها ، ويتقيل أسلوبه ، وكان لهما من عظيم التأثير على نفسى ما جعلنى أقفو أثرهما ، فأحله من قلبى المحل الأول ، وأجعله سميرى الذى لا يمل ، وأنيسى الذى أخلو إليه إذا عز الأنيس. هذا كتاب «نهج البلاغة» الذى يقول عنه الأستاذ الامام (١) : «ولا أعلم اسما أليق بالدلالة على معناه من هذا الاسم ، وليس فى وسعى أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه ، ولا أن آتى بشىء فى بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الاختيار ، كما ستراه فى مقدمة الكتاب (٢) ، ولو لا أن غرائز الجبلة ، وقواضى الذمة ، تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه ، وشكر المحسن على إحسانه ، لما احتجنا إلى التنبيه على
__________________
(١) انظر (ص ى) من مقدمة الامام لهذا الكتاب.
(٢) انظر (ج ١ ص ٢ ، وما بعدها) من هذا الكتاب.