كلا ثم كلا ما احسب ان احداً يخطر على باله شيء من تلك المعاني مهما كان من الجهل والهمجية ، كيف وهو يعتقد ان صاحب القبر بشر مثله عاش ومات واصبح رميماً رفاتاً. نعم ، يعتقد ان روحه باقية عند الله ـ جل شأنه ـ فهو بها يسمع ويرى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحيآء عند ربهم يرزقون ) (٣٩) ونظراً الى تلك الحياة يخاطبه ويسلم عليه ويتوسل الى الله سبحانه به ويطلب الشفاعة منه.
وبعد هذا كله فهل تجد من الحق والانصاف تشبيه الزائرين بعبدة الاصنام وهذه منابرهم ومنائرهم ومشاعرهم تضج في الاوقات الخمس بل في اكثر الاوقات بشهادة ان لا اله الا الله ويلهجون بأنه لا معبود الا الله؟! فهل ذلك القول الا قول مجادل بالباطل يريد ان يدحض به الحق ، ويلقح شرر الفساد في الارض ، ويريق دماء المسلمين ظلماً وعدواناً؟! ومما ذكرنا من معنى العبادة وحقيقة معناها يتضح انه لا شيء من تلك العناوين الممنوعة عند الوهابية ، من الشفاعة والوسيلة ، والتبرك والاستغاثة والزيارة وامثالها ، له مسيس بالعبادة بوجه من الوجوه ، هذا مضافاً إلى صدوره من النبي واصحابه والتابعين الواردة في صحيح الاخبار من صحيحي البخاري ومسلم وغيرها ، وقد استوفى جملة منها جدنا كاشف الغطاء ـ رفع الله درجته ـ في رسالته التي مثلها الطبع في العام الغابرالمسماة بمنهج الرشاد كما سبق ذكرها قريباً فلا حاجة الى إعادتها وفيها مقنع وكفاية من ارادها فليراجعها.
وانما جل الغرض تنبيه الوهابين وغيرهم من المسلمين على موضع الزلة ومدخل الشبهة وخطل الراي ، وان الصريمة والغريمة اليوم ؛ والواجب ، بل الاهم من كل واجب هو وحدة المسلمين وتكاتفهم ، فإن الجميع موحدون فحبذا لو أصبحوا والجميع متحدون ، ولا يحسبوا ان بقاء سلطتهم ونعيمهم بأن يضرب بعضهم بعضاً ويتعادى بعضهم على بعض ، بل هذا ادعى لفشلهم وقرب اجلهم.
__________________
(٣٩) آل عمران : ١٦٩.