وقال : (اللهُمَ ... أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) الآية (وَارْزُقْنا) عليها طعاما نأكله (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فنزل الله سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها [وهي تجيء مرتفعة] حتى سقطت من أيديهم فبكى عيسى فقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة.
واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه ، فقال عيسى : أيكم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله ويأكل منها؟ فقال شمعون. رئيس الحواريين ـ : أنت بذلك أولى منا ، فقام عيسى وتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيرا ثم كشف المنديل عنها وقال : بسم الله خير الرازقين ، فإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها ضلوعها ولا شوك فيها سيل سيلا من الدسم وعند رأسها ملح ويمتد ذنبها خل وجهها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد.
فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة؟ فقال عيسى : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ولكنه شيء فعله الله بالقدرة العالية فكلوا مما سألتم مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منكم في الآخرة.
وقال محمد بن كعب : تعلم ما أريد فلا أعلم ما تريد.
وقال عبد العزيز بن يحيى : تعلم سرّي ولا أعلم سرّك لأن السرّ هو موضعه الأنفس.
قال الزجاج : يعلم جميع ما أعلم ولا أعلم ما يعلم من النفس عبارة عن حملة الشيء وحقيقته وذاته ولا أنه (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ما كان وما يكون (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) وحّدوه وأطيعوه ولا تشركوا به شيئا (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) أقمت فيهم (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) قبضتني إليك.
قال الحسن : الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أوجه ، وفاة الموت وذلك قوله (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (١) يعني وجعل نقصان أجلها وفاة النوم ، وذلك قوله (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (٢) يعني ينيمكم ، ووفاة بالرفع كقوله (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ) (٣).
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) وقرأ الحسن : فإنهم عبيدك وإن يتوبوا فيغفر لهم (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
__________________
(١) سورة الزمر : ٤٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦٠.
(٣) سورة آل عمران : ٥٥.