منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وإخبار بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم الإنابة والتوبة.
هشام بن منبه قال : حدثنا أبو عروة عن محمد رسول صلىاللهعليهوسلم قال : لما قضى الله الخلق كتب في كتاب وهو عنده فوق العرش «إن رحمتي سبقت غضبي» (١).
وقال عمر لكعب الأحبار : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب : كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد ولكنّه كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : إني (أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) سبقت رحمتي غضبي.
وقال سليمان وعبد الله بن عمر : إن لله تعالى مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض فاهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا فيها يتراحم الإنس والجان وطير السماء وحيتان الماء وما بين الهواء والحيوان وذوات الأرض وعنده مائة وسبعين رحمة ، فإذا كان يوم القيامة أضاف تلك الرحمة إلى ما عنده (٢).
ثم قال (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) اللام فهي لام القسم والنون نون التأكيد ، مجازه : والله ليجمعنكم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعني في يوم القيامة إلي يعني في ، وقيل : معناه (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في [غيركم] (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا) غلبوا على أنفسهم والتنوين في موضع نصب مردود على الكاف والنون من قوله (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء وخبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، فأخبر الله تعالى أن الجاحد للآخرة هالك خاسر.
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨)
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الآية.
قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد إنا قد علمنا أنه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلّا الحاجة ، فنحن نجمع ذلك من أموالنا ما نغنيك حتى تكون من أغنانا فأنزل الله تعالى قوله (وَلَهُ ما سَكَنَ) أي استقر (فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) من خلق.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٨ / ١٨٧.
(٢) تفسير الطبري : ٧ / ٢٠٦ و ٢٠٨ بتفاوت.