وكان يكتب للنبي صلىاللهعليهوسلم فكان إذا قال (سَمِيعاً عَلِيماً) كتب هو عليما حكيما ، وإذا قال (عَلِيماً حَكِيماً) كتب غفورا رحيما ، وأشباه ذلك فلما نزلت (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١) الآية.
أملاها رسول الله عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك (اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أكتبها فهكذا نزلت» (٢) [١٤٦] فشك عبد الله وقال : لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت [كما كتب] (٣) فارتدّ عن المسلمين ولحق بالمشركين ، وقال لهما : عليكم بمحمد لقد كان يملي عليّ فأغيره وأكتب كما أريد.
ووشى بعمار وجبير عبد لبني الحضرمي يأخذوهما وعذبوهما حتى أعطياهما الكفر وجذع أذن عمار يومئذ فأخبر عمار النبي صلىاللهعليهوسلم بما لقي وبما أعطاهم من الكفر فأبى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتولّاه هؤلاء فأنزل الله عزوجل فيه ، وفي خبر : وابن أبي سرح (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) إلى قوله (بِالْكُفْرِ).
يعني عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلىاللهعليهوسلم [بمرط هران] (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) وهم الذين ذكرهم الله ووصفهم قبل (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) سكراته وهي جمع غمرة وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه وأضل الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ومنه غمرة الماء ثم استعملت في معنى الشدائد والمكاره (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) بالعذاب والضرب وجوههم وأدبارهم كما يقال بسط يده بالمكروه (أَخْرِجُوا) أي يقولون أخرجوا (أَنْفُسَكُمُ) أرواحكم كرها لأنّ نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه ، والجواب محذوف يعني ولو تراهم في هذا الحال لرأيت عجبا.
(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) تثابون (عَذابَ الْهُونِ) أي الهوان (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم والقرآن (تَسْتَكْبِرُونَ) تتعظمون.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من سجد لله سجدة فقد برىء من الكبر» (٤) [١٤٧] (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) هذا خبر من الله تعالى أنه يقول للكفار يوم القيامة : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) وحدانا لا مال معكم ولا زوج ولا ولد ولا خدم ولا حشم.
قال الحسن : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) كل واحدة على حدة.
وقال ابن كيسان : مفردين من المعبودين ، و (فُرادى) جمع فردان مثل سكران وسكارى ،
__________________
(١) سورة المؤمنون : ١٢.
(٢) تفسير القرطبي : ٧ / ٤٠ وفيه : وهكذا أنزلت علي.
(٣) هكذا في الأصل.
(٤) كنز العمال : ٧ / ٣٠٨.