وقيل : معناه أنزلناه كراهة أن يقول ، وقال الكسائي : معناه : اتقوا أن تقولوا : يا أهل مكّة ، وقرأ ابن محيصن والأعمش كلاهما والقراءة بالياء بقوله تعالى فقد جاءكم (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) يعني اليهود والنصارى (وَإِنْ كُنَّا) وقد كنّا (عَنْ دِراسَتِهِمْ) قرأتهم (لَغافِلِينَ) لا نعلم ما هي وإنّما قال : دراستهم ، ولم يقل : دراستهما ، لأن كل طائفة جماعة ، كقوله تعالى (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) وأن ما يقال من المؤمنين اقتتلوا. (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) يعني أصوب من اليهود والنصارى دينا (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) حجّة واضحة لمن يعرفونها (وَهُدىً) وبيان (وَرَحْمَةٌ) ونعمة لمن اتبعه وعمل به (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ) وأعرض عنها (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) شدة العذاب (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) يعرضون (هَلْ يَنْظُرُونَ) وينتظرون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) بلا كيف لفصل القضاء من خلقه في موقف القيامة ، وقال الضحاك : يأتي أمره وقضاؤه (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) يعني طلع الشمس من مغربها (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) وقرأ ابن عمر وابن الزبير : يوم تأتي بعض آيات ربّك بالتاء ، قال المبرّد : على التأنيث على المجاورة لا على الأصل ، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه. قال جرير :
لمّا أتى خبر الزبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشع (١) |
فأتت فعل السور ، وهو مذكّر لاتصاله بمؤنّث.
روى عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا تقوم الساعة حتّى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين وذلك حين (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)» [١٦١] الآية (٢).
وروى مقاتل بن حيّان عن عكرمة عن ابن عباس : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا غربت الشمس رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع إلى مغربها أو من مطلعها [فكسى] ضوؤها ، وإن كان القمر منوّر على مقادير ساعات الليل والنهار ثمّ ينطلق بها ما بين السماء السابعة العليا وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر [جبال] المشرق من سماء إلى السماء ، فإذا ما وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ويضيء النهار فلا يظل الشمس والقمر ، كذلك حتّى يأتي الوقت الذي وقت الله التوبة لعباد وتكثر المعاصي في الأرض ، ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد ، فإذا فعلوا ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش كلما
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٧ / ١٤٨.
(٢) مسند أحمد : ٢ / ٢٣١.