ذلك حسرة عليهم فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرّت السماء وهي منصفها جاءهما جبرائيل عليهالسلام فأخذ بقرونهما فردّهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة».
فقال له عمر بن الخطاب رضياللهعنه : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله وما باب التوبة؟
فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا عمر خلق الله تعالى بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكلّلان بالدرّ والجوهر ما بين المصراع إلى المصراع الآخر أربعون سنة للراكب المسرع فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا منذ خلق الله آدم إلى ذلك اليوم إلّا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب. لم يرفع إلى الله تعالى».
فقال له معاذ بن جبل : بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما التوبة النصوح؟
قال : «أن يندم المذنب على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله عزوجل ثمّ لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
قال : فيغر بهما جبريل في ذلك الباب ثمّ يرد المصراعين ثمّ يلتئم ما بينهما فيصير كأنّه لم يكن بينهما صدع قط ، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل من العبد بعد ذلك توبة ولم ينفعه حسنة يعملها في الإسلام ، إلّا من كان قبل ذلك محسنا فإنّه يجري عليه ما كان يجري عليه قبل ذلك اليوم فذلك قوله عزوجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).
فقال أبي بن كعب : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله فكيف بالشمس والقمر يومئذ بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا.
فقال : «يا أبي إنّ الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثمّ يطلعان على الناس ويغربان ، كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان ، فإنّ الناس رأوا ما رأوا في فظاعة تلك الآية يلحون على الدنيا حتّى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الأشجار ويبنوا البنيان. وأمّا الدنيا فلو نتج لرجل مهرا (١) لم يركبه حتّى تقوم الساعة من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى أن ينفخ في الصور» [١٦٢] (٢).
قال حذيفة بن أسيد والبراء بن عازب : كنّا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ما تذاكرون؟»
__________________
(١) في كتاب الفتن : فرسا.
(٢) تفسير الدر المنثور : ٣ / ٦١ ، وكتاب الفتن لنعيم : ٣٩٧.