ثمّ عاد أبو اليسر بمثل مقالته وقام سعيد بمثل كلامه وقال : يا رسول الله إنّ الناس كثير وإن الغنيمة دون ذلك وإن تعط هؤلاء التي ذكرت لا يبق لأصحابك كثير شيء فنزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية. فقسّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهم بالسويّة (١).
وروى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال : فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في الفعل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقسّمه بين المسلمين عن سواء على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلاح ذات البين.
وقال سعد بن أبي وقاص : نزلت في هذه الآية ذلك أنّه لمّا كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميّة وأخذت سيفه وكان يسمّى ذا الكثيفة فأعجبني فجئت به النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلّا الله عزوجل من قتل أخي وأخذ بيدي قلت : عسى أن يعطي من لم يبل بلائي فما جاوزت إلّا قليلا حتّى جاءني الرسول صلىاللهعليهوسلم وقد أنزل الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء ، فلما انتهيت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يا سعد إنّك سألتني السيف وليس لي وإنّه قد صار (٢) ليّ فاذهب فخذه فهو لك» [٢١٤] (٣).
وقال أبو [أميّة] مالك بن ربيعة : أصبت سيف ابن زيد يوم بدر وكان السيف يدعى المرزبان فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس أن يردّوا ما في أيديهم من النفل فأقبلت به وألقيته في النفل وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يمنع شيئا يسأله فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعطاه إيّاه.
وقال ابن جريج : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا فاختلفوا فكانوا أثلاثا فنزلت هذه الآية وملّكها الله رسوله يقسّمها كما أراه الله.
عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس [قال :] كانت المغانم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو ملكا فهو غلول فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها فأنزل الله عزوجل (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْأَنْفالِ) أي حكم الأنفال وعلمها وقسمها.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٩٦ وأسباب النزول للواحدي ، ونصب الراية : ٤ / ٢٩٧.
(٢) في تفسير ابن كثير : وهب لي.
(٣) تفسير الطبري : ٩ / ٢٣٠ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٢٩٥.