أراد ردفت جاءت بعدها ، لأن الجوزاء تطلع بعد الثريا ومن فتح فعلى المفعول ، أي أردف الله المسلمين وجاءهم به فأمدّهم الله بالملائكة ونزل جبرئيل في خمسمائة ملك مجنبة على الميمنة فيها أبو بكر ـ رضياللهعنه ـ ونزل ميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ وهم في صورة الرجال عليهم ثياب بيض ، وعمائم بيض أرخوا ما بين أكتافهم ، فقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ولا يوم حنين ولا تقاتل أبدا إنّما يكونون حددا أو مددا.
وقال ابن عباس : بينما رجل من المسلمين يشتدّ في أثر رجل من المشركين إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت لفارس يقول قدم حيزوم ونظر إلى المشرك أمامه خرّ مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط فجاء الرجل فحدّث بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «صدقت ذلك من مدد السماء» فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين [٢١٨].
قال مجاهد : ما مدّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما ذكر الله تعالى غير الألف من الملائكة (مُرْدِفِينَ) التي ذكر الله في الأنفال وأمّا الثلاثة والخمسة فكانت بشرى (وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعني الإمداد.
الفراء : يعني الأرداف.
(إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً) قرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو : يَغْشيكم بفتح الياء النعاسُ رفع على أن الفعل له واحتجّوا بقوله في سورة آل عمران (أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) (١) فجعل الفعل له.
وقرأ أهل المدينة يُغْشِيكُمُ بضم الياء مخففة على أن الفعل الله عزوجل ليكون موافقا لقوله ((وَيُنَزِّلُ) و (لِيُطَهِّرَكُمْ)) واحتجّوا بقوله تعالى (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ) (٢).
وقرأ عروة بن الزبير والحسن وأبو رجاء وعكرمة والجحدري وعيسى وأهل الكوفة : (يُغَشِّيكُمُ) بضمّ الياء مشدّدا.
فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم : لقوله (فَغَشَّاها ما غَشَّى) (٣) والنعاس النوم تخفيف. وقال أبو عبيدة : هو ابتداء القوم : (أَمَنَةً) بفتح الميم قراءة العامّة ، وقرأ أبو حياة وابن محيصن : أَمْنَةً بسكون الميم وهو مصدر قولك : أمنت من كذا أمنا وأمنة وأمانة وكلّها بمعنى واحد فلذلك نصب.
قال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة من الله عزوجل وفي الصلاة من الشيطان
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٥٤.
(٢) سورة يونس : ٢٧.
(٣) سورة النجم : ٥٤.