إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَ) الآية نزلت أيضا في النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة من بني عبد الدار.
قال ابن عباس : لمّا قصّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم شأن القرون الماضية ، قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في كتبهم.
فقال عثمان بن مظعون : اتق الله فإن محمدا يقول الحق. قال : فأنا أقول الحق. قال : فإن محمدا يقول : لا إله إلّا الله. قال : فأنا أقول لا إله إلّا الله. ولكن هذه شأن الله يعني الأصنام. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (١) قال النضر : ألا ترون أن محمدا قد صدقني فيما أقول يعني قوله (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ).
قال له المغيرة بن الوليد : والله ما صدّقك ولكنه يقول ما كان للرحمن ولد.
ففطن لذلك النضر فقال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ).
(إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... هُوَ) عمادا (٢) وتوكيد وصلة في الكلام ، و (الْحَقَّ) نصب بخبر كان (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) كما أمطرتها على قوم لوط.
قال أبو عبيدة : ما كان من العذاب. يقال : فينا مطر ومن الرحمة مطر (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي بنفس ما عذبت به الأمم وفيه نزل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٣).
قال عطاء : لقد نزل في النضر بضعة عشرة آية من كتاب الله فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر.
قال سعيد بن جبير : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر : «ثلاثة صبروا منكم من قريش المطعم بن عدي. وعقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحرث».
وكان النضر أسير المقداد فلمّا أمر بقتله قال المقداد : أسيري يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّه كان يقول في كتاب الله ما يقول» قال المقداد : أسيري يا رسول الله ، قالها ثلاث مرّات. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الثالثة : «اللهمّ اغن المقداد من فضلك» [٢٣٢].
فقال المقداد : هذا الذي أردت (٤).
__________________
(١) سورة الزخرف : ٨١.
(٢) العماد : الذي يكون بين كلامين لا يتم المعنى إلّا به ، ويسمى عند البصريين ضمير الفصل.
(٣) سورة المعارج : ١.
(٤) تاريخ دمشق : ٦٠ / ١٦٧.