وقال ابن عباس : قيل لعمر بن الخطاب رضياللهعنه ما في شأن العسرة؟ فقال عمر : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم [إلى قيض شديد] فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى قلنا أن رقابنا ستقطع ، حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ، وحتى أنّ الرجل سينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق رضياللهعنه لرسول الله : إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا ، قال : «تحب ذلك»؟ قال : نعم ، فرفع يديه ولم يرجع بها حتى أظلت السماء بسحاب ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (١).
(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ) تميل (قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) لعظم البلاء ، وقرأ العامة : تزاغ ، بالتاء ودليله قراءة عبد الله قال : [زغيّهم] (٢) ، قراءة حمزة والأعمش والجحدري والعباس بن زيد الثقفي بالياء. قال الأعمش : قرأتها بالياء في نية التأخير وفيه ضمير فاعل (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني تاب على الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فلم يخرجوا ، وقيل : خلفوا عن توبة أبي لبابة وأصحابه وأرجى أمرهم وقد مضت السنة.
وقرأ عكرمة وحميد : خَلَفُوا بفتح الخاء واللام والتخفيف أي [فدله بعقب] رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروي عن جعفر بن محمد الصادق رضياللهعنه انه قرأ : خالفوا ، وقراءة الأعمش : وعلى الثلاثة المخلفين ، وهم كعب بن مالك الشاعر ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية كلهم من الأنصار وروى عبيد عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه عبد الله بن كعب وكان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره. قال : سمعت أن كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لم أتخلف عن النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك غير بدر ولم يعاتب النبي صلىاللهعليهوسلم أحدا تخلف عن بدر إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغيثين لعيرهم فالتقوا من غير موعد كما قال الله عزوجل ، ولعمري أن أشرف مشاهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس لبدر ، وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام ، ثم لم أتخلف عن النبي صلىاللهعليهوسلم بعد في غزوة غزاها إلى أن كانت غزوة تبوك وأذن الناس بالرحيل وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار ، وكان قلّ ما أراد غزوة إلّا [ورى غيرها] (٣) وكان يقول : الحرب خدعة فأراد النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك أن يتأهّب الناس أهبتها وأنا أيسر ما كنت قد جهزت راحلتين ، وأنا أقدر شيء في نفسي الجهاد وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار فلم أزل كذلك حتى قام النبي صلىاللهعليهوسلم غاديا بالغداة وذلك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس فأصبح
__________________
(١) الدرّ المنثور : ٣ / ٢٨٦.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) زيادة عن مسند أحمد : ٦ / ٣٨٧.