ولأن الحكيم من بعث القرآن ، دليله قوله : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (١) ونحوها فيكون على هذا التأويل (تِلْكَ) يعني هذه وقد مضى القول في هذه المسألة في أول سورة البقرة (الْحَكِيمِ) المحكوم بالحلال والحرام والحدود والأحكام.
وقال مقاتل : المحكم من الباطل لا كذب فيه ولا اختلاف وهو فعيل بمعنى فاعل كقول الأعمش في قصيدته :
وعزيمة تأتي الملوك حكيمة |
|
قد قلتها ليقال من ذا قالها |
وقيل : هو الحاكم فعيل بمعنى فاعل بأنه قرأ : نزل فيهم (الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٢) وقيل : بمعنى المحكوم فيه فعيل بمعنى المفعول.
قال الحسن : حكم فيه (بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) ، وحكم فيه بالنهي (عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه.
وقال عطاء : حكيم بما حكم فيه من الأرزاق والآجال بما شاء.
(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) الآية ، قال ابن عباس : لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت الكفار وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ) أهل مكة والألف للتوبيخ (عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا ... أَنْ) في محل الرفع و (أَوْحَيْنا) صلة له تقديره أكان للناس عجبا لإيحائنا (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) محمد ، وفي حرف عبد الله : عجيب ، بالرفع على اسم كان ، وأن في محل نصب على خبره (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أن على محل نصب بقصد الخافض وكذلك الثانية.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
قال ابن عباس : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. قال الضحاك : ثواب صدق. مجاهد : الأعمال الصالحة ، علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : سبقت لهم السعادة في الذكر الأول.
سلف صدق ، زيد بن أسلم : محمد صلىاللهعليهوسلم شفيع لهم. يمان : إيمانهم ، عطاء : مقام صدق لا زوال فيه ولا بؤس ، نعيم مقيم وخلود وخلود لا موت فيه ، الحسن : عمل صالح أسلفوه [فأثابهم] عليه ، الأعمش : سابقة صدق. أبو حاتم : منزل صدق نظيره (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) (٣) عبد العزيز بن يحيى : (قَدَمَ صِدْقٍ). قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) (٤). الزجاج : منزلة رفيعة ، وقيل : هو بعثهم وتقديم الله تعالى هذه الأمة في البعث يوم
__________________
(١) سورة هود : ١.
(٢) سورة البقرة : ٢١٣.
(٣) سورة الإسراء : ٨٠.
(٤) سورة الأنبياء : ١٠١.