بَعْدِهِ) من بعد قتل يوسف (قَوْماً صالِحِينَ) تائبين ، وقال مقاتل : يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) وهو روبيل ، وقال السدي : هو يهودا ، وهو أعظمهم وكان ابن خالة يوسف ، وكان أحسنهم فيدايا نهاهم عن قتله وقال لهم : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) فإن قتله عظيم.
(وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) أي في قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره ، قتادة : في أسفله ، والغيابة : كل شيء غيّب شيئا ، وأصلها من الغيبوبة ، وقرأ أهل المدينة : غيابات الجب ، على الجمع ، والباقون : (غَيابَتِ) ، على الواحد ، والجبّ : البئر غير المطويّة ، قتادة : هو بئر بيت المقدس ، وقال وهب : هو بأرض الأردن ، كعب : بين مدين ومصر ، مقاتل : على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب.
(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) يأخذه ، قراءة العامة بالياء لأنه البعض وقرأ الحسن : تلتقطه بالتاء لأجل السيارة ، والعرب تفعل ذلك في كل خبر كان عن مضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرا عن جميعه ، كقول الشاعر :
أرى مرّ السنين أخذن مني |
|
كما أخذ السرار من الهلال (١) |
ولم يقل أخذت وقال الآخر :
إذا مات منهم سيد قام سيد |
|
فدانت له أهل القرى والكنائس (٢) |
(بَعْضُ السَّيَّارَةِ) بعض مارّي الطريق من المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى فينستر خبره (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ما أقول لكم.
قيل للحسن : أيحسد المؤمن؟ قال : ما أنساك بني يعقوب؟ ولهذا قيل : الأب جلاب ، والأخ سلاب ، فعند ذلك أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الاحتيال ، فقالوا ليعقوب (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) قرأ أبو جعفر بالنون ، وقرأ الباقون بإشمام النون للضمّة ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، لأن أصله تأمننا بنونين فأدغمت أحدهما في الأخرى.
(وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) نحوطه ونحفظه حتى نردّه إليك ، مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير وذلك أن أخوة يوسف قالوا لأبيهم (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) قال أبوهم : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) فحينئذ قالوا (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ).
__________________
(١) لسان العرب : ٨ / ٧٣ ، وشرح ابن عقيل : ١ / ٦٤.
(٢) تفسير الطبري : ١٢ / ٢٠٥.