أمهت وكنت لا أنسى حديثا |
|
كذاك الدّهر يودي بالعقول (١) |
وقرأ مجاهد : أَمْه ، بسكون الميم وفتح الألف وهاء لخالصة ، وهو مثل الأمه أيضا وهما لغتان ومعناهما النسيان ، (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) : أخبركم بتفسيره وما ترون (فَأَرْسِلُونِ) : فأطلقوني ، وأذنوا لي أمضي وآتيكم بتأويله وفي الآية اختصار تقديرها فأرسلون ، فأتي السجن ، قال ابن عباس لم يكن السجن في المدينة فقال (يُوسُفُ) يعني يا يوسف ، (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) : فيما عبّرت لنا من الرؤيا والصدّيق الكثير الصديق ولذلك سمّي أبو بكر صدّيقا ، وفعّيل للمبالغة والكثرة مثل الفسّيق والضليل والشريب والخمير ونحوها.
(أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ) : الآية فإنّ الملك رأى هذه الرؤيا.
(لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) أهل مصر ، (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) ، تأويلها ، وقيل : (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) فضلك وعلمك ، فقال لهم يوسف معلّما ومعبّرا : أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبات ، والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات السنون المهولة المجدبة ، وذلك قوله تعالى : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) أي كعادتكم ، وقال : بعضهم أراد بجدّ وو اجتهاد وقرأ بعضهم (دَأَباً) بفتح الهمزة وهما لغتان ، يقال دبت في الأمر أدأب دأبا ودأبا إذا اجتهد ، قال الفرّاء : وكذلك كلّ حرف فتح أوّله وسكن ثانية فتثقيله جائز إذ كان ثانيه همزة أو عينا أو حاء أو خاء أو هاء.
(فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) في [بذره] (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) وإنّما أشار عليهم بذلك بذلك ليبقى ولا يفسد ، (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) يعني سبع سنين جدد بالقحط (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) يعني يؤكل ، فيهنّ ما أعددتم لهنّ من الطعام في السنين الخصبة ، وهذا كقول القائل :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة |
|
وليلك نوم والردى لك لازم (٢) |
والنهار لا يسهو والليل لا ينام ، وإنّما يسهى في النهار وينام في الليل. (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) أي : تخزنون وخزنون وتدّخرون.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ) وهذا خبر من يوسف عليهالسلام عمّا لم يكن في رؤيا الملك ، ولكنّه من علم الغيب الذي آتاه الله عزوجل ، كما قال قتادة : زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها ، فقال : (ثُمَّ يَأْتِي (مِنْ) بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) أي يمطرون بالغيث وهو المطر ، وقيل : يغاثون ، من قول العرب استغثت بفلان وأغاثني ، (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) قرأ أهل الكوفة إلّا
__________________
(١) لسان العرب : ١٣ / ٤٧١.
(٢) البداية والنهاية : ٩ / ٢٣١.