قالوا : فلمّا اطمأنّ بيوسف ملكه دخلت السنون المخصبة ، ودخلت السنون المجدبة أصاب الناس الجوع وجاءت تلك السنون [.......] (١) وكان ابتداء القحط ، بينا الملك ذات ليلة أصابه الجوع نصف الليل ، وهتف الملك : يا يوسف الجوع الجوع فقال : هذا أوّل القحط ، فلمّا دخلت السنة الأولى من سنيّ الجدب هلك فيها كلّ شيء أعدّوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف ، فباعهم أوّل سنة بالنقود حتى لم يبق في مصر دينار ولا درهم إلّا قبضه ، وباعهم في السنة الثانية بالحليّ والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم بالسنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم بالسنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أمّة في يد أحد منهم ، ثمّ باعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقّهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرّة إلّا صار عبدا له ، حتى قال الناس : تالله ما رأينا كاليوم ملكا أجلّ ولا أعظم من هذا ، ثمّ قال يوسف لفرعون كيف رأيت صنيع ربّي فيما خوّلني ، فما ترى لي؟ قال الملك : الرأي رأيك ، وإنّما نحن لك تبع ، قال : فإنّي أشهد وأشهدك أنّي أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم.
وروي أنّ يوسف عليهالسلام كان لا يشبع من طعام في تلك الأيّام ، فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الأرض ، فقال : أخاف أن شبعت أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف أيضا طباخي الملك أن جعلوا الغداة نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، ويحسن إلى المحتاجين ، ففعل الطهاة ذلك ، ومن ثمّ جعلت الملوك غداءهم نصف النهار.
قالوا : وقصد الناس مصر من كلّ حدب يمتارون ، فجعل يوسف لا يمكّن أحدا منهم وإن كان عظيما بأكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس وتوسّعا عليهم ، وتزاحم الناس عليه ، قالوا : وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام من القحط والشدّة ما أصاب سائر البلاد ، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس فأرسل بنيه إلى مصر للميرة ، فأمسك بنيامين أخا يوسف لأمّه فذلك قوله تعالى : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) وكانوا عشرة ، وكان منزلهم بالقربات من أرض فلسطين ثغور الشام ، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ) يوسف وأنكروه لما أراد الله أن يبلغ يوسف فيما أراد.
قال ابن عباس : وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا مصر أربعين سنة فلذلك أنكروه وقيل : إنّه كان متّزيا بزيّ فرعون مصر ، عليه ثياب حرير ، جالس على سريره ، وفي عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فلذلك لم يعرفوه ، وكان بينه وبينهم ستر ولذلك لم يعرفوه.
__________________
(١) كلمة غير مقروءة.