قيل : فيه جوابان : أحدهما أنّه أضمر في نفسه أنّهم سرقوه من أبيه ، والآخر أنّه من قول المنادي لا من أمر يوسف والله أعلم.
(قالُوا) يعني المنادي وأصحابه ، (فَما جَزاؤُهُ) ثوابه قال الأخفش : إن شئت رددت الكناية إلى السارقين ، وإن شئت رددتها إلى السّرق (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) في قولكم : (ما كُنَّا سارِقِينَ).
قالوا : (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أن يسلّم سرقته إلى المسروق منه ، ويسترقّ سنة ، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الفاعلين ما ليس لهم فعله من أخذ مال غيره سرقا ، وأما وجه الكلام فقال الفرّاء من في معنى جزاؤه ، ومن معناها الرفع بالهاء التي جاءت وجواب الجزاء الفاء في قوله (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله : (جَزاؤُهُ) الثانية مرتفع بالمعنى المجمل في الجزاء وجوابه ، ومثله في الكلام أن يقول : ماذا لي عندك؟ فيقول : لك عندي أن بشّرتني فلك ألف درهم كأنّه قال : لك عندي هذا ، وإن شئت الجزاء مرفوعا بمن خاصّة وصلتها كأنّك قلت : جزاؤه الموجود في رحله ، كأنّك قلت : ثوابه أن يسترق [في المستأنف] أيضا فقال : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ، وتلخيص هذه الأقاويل : جزاؤه جزاء الموجود في رحله ، أو جزاؤه الموجود في رحله. تمّ الكلام.
وقال مبتدئا (فَهُوَ جَزاؤُهُ) فقال الرسول عند ذلك : إنّه لا بدّ من تفتيش أمتعتكم ولستم سارقين حتى أفتّشها فانصرف بهم إلى يوسف ، (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ) لإزالة التهمة (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) وكان فتّش أمتعتهم واحدا واحدا ، قال قتادة : ذكر لنا أنّه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر في وعاء إلّا استغفر الله تأثّما ممّا قذفهم به ، حتى إذا لم يبق إلّا الغلام ، قال : ما أظنّ هذا أخذ شيئا ، فقال أخوته : والله لا نتحرّك حتى تنظر في رحله ، فإنّه أطيب من نفسك وأنفسنا ، فلمّا فتحوا متاعه استخرجوه منه فذلك قوله تعالى : (اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) وإنّما أتت الكناية في قوله استخرجها والصواع مذكر ، وقد قال الله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) لأنّ ردّه إلى السقاية كقوله : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) ، ثمّ قال : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١) ردّها إلى الجنّة وقوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) ، ثمّ قال : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (٢) ، أي من الميراث.
وقيل : ردّ الكناية إلى السرقة.
وقيل : إنّما أنّثها لأنّ الصواع يذكر ويؤنّث فمن أنّثه قال : ثلاث أصوع مثل أدود ومن ذكّره قال : ثلاثة أصواع مثل ثلاثة أثواب.
__________________
(١) سورة المؤمنون : ١١.
(٢) سورة النساء : ٨.