وقال بعضهم : إنّما قال ذلك حين سأل أخاه بنيامين : هل لك ولد؟ قال : نعم ، ثلاثة بنين ، قال : فما سمّيتهم؟ قال : سمّيت الأكبر يوسف قال : ولم؟ قال : محبّة لك ، لأذكرك به ، قال : فما سمّيت الثاني؟ قال : ذئبا ، قال : ولم سمّيته بالذئب وهو سبع عاقر؟ قال : لأذكرك به ، قال : فما سمّيت الثالث؟ قال : دماء ، قال : ولم؟ قال لأذكرك به ، فلمّا سمع يوسف المقالة خنقته العبرة ، ولم يتمالك ، فقال لإخوته : لمّا دخلوا عليه : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) إذ فرّقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ، بما يؤول إليه أمر يوسف.
وقيل : يكون المذنب جاهل وقت ذنبه.
قال ابن عباس : إذا أنتم صبيّان ، الحسن : شبان وهذا غير بعيد من الصواب لأنّ مظنّة الجهل الشباب.
فإنّ سئل عن معنى قول يوسف (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) وقيل ما كان عنهم إلى أخيه وهم لم يسعوا في حبسه ، فالجواب أنّهم لمّا أطلقوا ألسنتهم على أخيهم بسبب الصاع [حبس] وقالوا : ما رأينا منكم يا بني راحيل كما ذكرناه ، فعاتبهم يوسف على ذلك. وقيل : إنّهما لمّا كانا من أمّ واحدة وكانوا يؤذونه بعد فقد يوسف فعاتبهم على ذلك.
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) : قرأ ابن محصن وابن كثير : إنّك على الخبر ، وقرأ الآخرون على الاستفهام ، ودليلهم قراءة أبي بن كعب أو أنت يوسف ، قال ابن إسحاق : لمّا قال يوسف لأخوته (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) الآية ، كشف عنهم الغطاء ورفع الحجاب فعرفوه ، فقالوا : (إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) ، جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس ، قال : (قالَ) يوسف : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ)؟ ثمّ تبسّم ، وكان إذا تبسّم كأنّ ثناياه اللؤلؤ المنظوم ، فلمّا أبصروا ثناياه شبّهوه بيوسف ، فقالوا له استفهاما : (إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)؟ ، ابن سمعان عن عطاء عن ابن عباس قال : إنّ إخوة يوسف لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه ، وكان في قرنه علامة ، وكان ليعقوب مثلها ، وكان لإسحاق مثلها ، وكان لسارة مثلها شبه الشامة البيضاء ، فلمّا قال لهم : ([هَلْ] عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) ورفع التاج عنه ، فعرفوه فقالوا : (إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ (١). قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بأن جمع بيننا بعد ما فرّقتم (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، (وَيَصْبِرْ) عمّا حرّم الله عليه ، قال ابن عباس : (يَتَّقِ) الزنا (وَيَصْبِرْ) على العزوبة ، مجاهد : (يَتَّقِ) معصية الله (وَيَصْبِرْ) على السجن (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ، فـ (قالُوا) مقرّين معتذرين : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) اختارك الله علينا بالعلم والحكم والعقل والفضل والحسن والملك (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) وإن كنّا في صنيعنا بك
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٩ / ٢٥٦.