روى عكرمة عن ابن عبّاس قال : لما خلق الله الملائكة قال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، قالوا : لا نفعل. فأرسل عليهم نارا فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، فأبوا ، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، قالوا : سمعنا وأطعنا إلّا إبليس (كانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) محل (أن) النصب بفقد الخافض.
(قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة ومن السماوات (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ملعون طويلا (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي بإغوائك إياي وهو الإضلال والإبعاد (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) معاصيك ولأحببنّها إليهم (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) لأضلنهم (أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
قرأ أهل الكوفة والمدينة والشام : بفتح اللام. واختاره أبو عبيد ، يعني إلّا من أخلصته بتوفيقك فهديته واصطفيته.
وقرأ أهل مكة والبصرة : بكسر اللام ، واختاره أبو حاتم ، يعني من أخلص لك بالتوحيد والطاعة. وأراد بالمخلصين في القرائتين جميعا : المؤمنين.
(قالَ) الله لإبليس (هذا صِراطٌ) طريق (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ).
قال الحسن : هذا صراط إليّ مستقيم.
وقال مجاهد : الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج على شيء.
وقال الأخفش : يعني على الدلالة صراط مستقيم.
وقال الكسائي : هذا على الوعيد فإنه تهديد كقولك للرجل خاصمته وتهدده : طريقك عليّ ، كما قال الله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١) فكان معنى الكلام : هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلّا بأعمالهم.
وقال ابن سيرين وقتادة وقيس بن عبادة وحميد ويعقوب : هذا صراطٌّ عليٌّ برفع الياء على نعت الصراط أي رفيع ، كقوله : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٢).
__________________
(١) سورة الفجر : ١٤.
(٢) سورة مريم : ٥٧.