(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) يعني عدد شهور السنة (عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ) قراءة العامة بفتح العين والشين ، وقرأ أبو جعفر بجزم الشين ، وقرأ طلحة بن سليمان بسكون الشين ، (شَهْراً) نصب على التمييز.
وهي المحرم وصفر وشهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادى الاولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأما المحرم فسمي بذلك لتحريم القتال فيه ، وسمي صفر لأن مكة تصفر من الناس فيه أي تخلو منهم ، وقيل : وقع فيه وباء فاصفرّت وجوههم ، وقال أبو عبيدة : سمّي صفر لأنه صفرت فيه وطابهم (١) من اللبن ، وشهرا الربيع سمّيا بذلك لجمود الماء فيهما ، وسمّي رجب لأنهم كانوا يرجبونه أي يعظمونه ، رجبته ورجّبته بالتخفيف والتشديد إذا عظمته ، قال الكميت :
ولا غيرهم أبغي لنفسي جنّة |
|
ولا غيرهم ممن أجلّ وأرجب |
وقيل : سمي بذلك لترك القتال فيه من قول العرب : رجل أرجب إذ كان أقطع لا يمكنه العمل ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل ، من صام يوما من رجب شرب منه (٢) ، وقال عمر : سمّي شعبان لتشعب القبائل فيه.
وروى زياد بن ميمون أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «سمّي شعبان لأنه يتشعب فيه خير كثير لرمضان» [١٧] (٣).
وقد مضى القول في رمضان ، وسمّي شوال لشولان النوق اللقاح بأذنابها فيه (٤).
قال أبو زيد البلخي : سمّي بذلك لأن القبائل تشول فيه أي تبرح عن أماكنها ، وسمّي ذو القعدة لقعودهم عن القتال ، وذو الحجة لقضاء حجهم فيه ، والله أعلم.
قال بعض البلغاء : إذا رأت العرب السادات تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا : محرم ، وإذا ضعفت أركانهم ومرضت أبدانهم ، واصفرت ألوانهم قالوا : صفر ، وإذا ظهرت الرياحين وزهرت البساتين قالوا : ربيعان ، وإذا قل الثمار وجمد الماء قالوا : جماديان ، فإذا هاجت البحار وحمت الأنهار وترجبت الأشجار قالوا : رجب ، وإذا بانت الفضائل وتشعبت القبائل قالوا : شعبان ، وإذا حمي الفضا ، ونفي جمر الغضاء قالوا : رمضان ، وإذا انكشف
__________________
(١) الوطب : سقاء اللبن وهو جلد الجذع فما فوقه.
(٢) فضائل الأوقات للبيهقي : ٩٠.
(٣) كنز العمّال : ٨ / ٥٩١ / ح ٢٤٢٩٣.
(٤) لسان العرب : ١١ / ٣٧٧.