باضا أسفل النقب ، والعنكبوت حتى نسج بيتا ، فلمّا جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت ، قال لو دخلاه لتكسر البيض ، وتفسخ بيت العنكبوت ، فانصرف.
وقال النبي : «اللهم أعم أبصارهم» [١٩] فعميت أبصارهم عن دخوله ، وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار.
روى السري بن يحيى عن محمد بن سيرين قال : ذكر رجال على عهد عمر بن الخطاب فكأنّهم فضّلوا عمر على أبي بكر ، قال : فبلغ ذلك عمر فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبى بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي وساعة بين يديه وساعة خلفه حتى وصل رسول صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد يديك ، فقال : يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق.
فلما أتيا إلى الغار قال أبو بكر رضياللهعنه : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الغار (١) ، فدخل فاستبرأ حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنّه لم يستبرئ الحجر ، فقال مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجر فدخل فاستبرأ ثم قال : انزل يا رسول الله فنزل ، فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر.
أبو عوانة عن فراس عن الشعبي قال : لقد عاتب الله أهل الأرض جميعا غير أبي بكر رضياللهعنه في هذه الآية ، وقال أبو بكر :
قال النبي ولم يجزع يوقّرني |
|
ونحن في شدة من ظلمة الغار |
لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا |
|
وقد توكل لي منه بإظهار |
وإنما كيد من تخشى بوادره |
|
كيد الشياطين كادته لكفّار |
والله مهلكهم طرا بما كسبوا |
|
وجاعل المنتهى منها إلى النار (٢) |
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) سكونه وطمأنينته (عَلَيْهِ) أي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال ابن عباس : على أبي بكر ، فأمّا النبي صلىاللهعليهوسلم فكانت السكينة عليه قبل ذلك (وَأَيَّدَهُ) قرأ مجاهد : وآيده بالمد (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أي المقهورة المغلوبة (وَكَلِمَةُ اللهِ) رفع على مبتدأ وقرأ يعقوب : وَكَلِمَةَ اللهِ على النصب على العطف (هِيَ الْعُلْيا) العالية.
__________________
(١) البداية والنهاية : ٣ / ٢٢١.
(٢) سبل الهدي والرشاد : ٣ / ٣٤٩ ، وذكر بقية الأبيات. والبداية والنهاية : ٣ / ٢٢٤ ، ولم يذكر إلّا البيتين الأولين ، وفيه : ونحن في سدف من ظلمة الغار.