الحسين بن جعفر ، قال : حدّثنا محمد بن يزيد السلمي ، قال : حدّثنا عمار بن قيراط عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال : كنت على قضاء سمرقند فقرأت يوما حديث المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق : إذا حدّث كذب ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف» [٣٦].
فتوزع فيه فكري وانقسم قلبي وخفت على نفسي وعلى جميع الناس وقلت من ينجو من هذه الخصال؟ [فأخللت] بالقضاء وأتيت بخارى وسألت علماءها فلم أجد فرجا ، فأتيت مرو فلم أجد فرجا ، فأتيت نيشابور فلم أجد عند علمائها فرجا ، فبلغني أن شهر بن حوشب بجرجان فأتيته وعرضت عليه قصتي وسألت عن الخبر ، فقال لي : لم [أكن] أنا [حين] سمعت هذا الخبر كالحبة على المقلاة (١) خوفا فأدرك سعيد بن جبير فأنه متولد بالريّ فاطلبه وسله لعلك تجد لي ولك ، وسمعت أن عنده فرجا ، فأتيت الري وطلبت سعيدا فأتيته وعرضت عليه القصة وسألته عن معنى الخبر.
فقال : أنا كذلك خائف على نفسي منذ بلغني هذا الخبر ، وأنا خائف عليك وعلى نفسي من هذه الخصال : ولقد قاسيت وعانيت سفرا طويلا وبلايا فعليك بالحسن البصري فإني أرجو أنك تجد عنده لي ولك وللمسلمين فرجا ، فأتيت البصرة وطلبت الحسن وقصصت عليه القصة بطولها ، فقال رحم الله شهرا قد بلغها النصف من الخبر ولم يبلغهما النصف ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قال هذا الخبر شغل قلوب أصحابه [وهابوا] أن يسألوه ، فأتوا فاطمة وذكروا لها شغل قلوبهم بالخبر ، فأتت فاطمة رضياللهعنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته شغل قلوب أصحابه ، فأمر سلمان فنادى الصلاة جامعة ، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فقال : «يا أيها الناس أما إنّي كنت قلت : ثلاث من كنّ فيه فهو منافق : إذا حدّث كذب ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف ، ما عنيتكم بها ، إنّما عنيت بها المنافقين ، إنما قولي : إذا حدّث كذب فإن المنافقين أتوني وقالوا لي : والله إن إيماننا كإيمانك وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك ، فأنزل الله عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) الآية ، وأما قولي : إذا أؤتمن خان : فإن الأمانة الصلاة والدين كلّه أمانة ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) وفيهم قال : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) وأما قولي : إذا وعد أخلف ، فإنّ ثعلبة بن حاطب أتاني فقال : إني فقير ولي غنيمات فادع الله أن يبارك فيهن ، فدعوت الله فنمت وزادت حتى ضاقت الفجاج بها ، فسألته الصدقات فأبى عليّ وبخل بها ، فأنزل الله عزوجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) إلى قوله (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ)» [٣٧].
__________________
(١) مثل ، والمقلاة وعاء من نحاس أو غيره يقلى فيه الطعام.