حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدّموه وتفرّق عنه أهله وامر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيه الجيف والدنس والقمامة ، ومات أبو عامر الراهب بالشام وحيدا غريبا وفيه يقول كعب بن مالك :
معاذ الله من فعل الخبيث |
|
كسعيك في العشيرة عبد عمرو |
فاما قلت بأن لي شرف ونخل |
|
فقدما بعت إيمانا بكفر (١) |
قال عكرمة : سأل عمر بن الخطاب رجلا منهم ماذا أعنت في هذا المسجد فقال : أعنت في سارية فقال عمر : أبشر بها في عنقك في نار جهنم.
ويروى أنّ بني عمر بن عوف الذين بنوا مسجد قبا سألوا عمر بن الخطاب في خلافته ليأذن لمجمع بن حارثة فيؤمّهم في مسجدهم فقال : لا ولا نعمة عين أليس هو مسجد الضرار ، فقال له مجمّع : يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ. فو الله لقد صليت فيه واني لا أعلم ما أضمروا عليه ، ولقد علمت ما صلّيت معهم فيه كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا ثبوتا قد رغبوا وكانوا لا يعلمون من القرآن شيئا فصليت ولا أحسب منعوا شيئا إلّا أنهم يتضرعون الى الله ولم أعلم ما في أنفسهم.
فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصلاة في مسجد قبا. فهذا قصة مسجد الضرار الذي أنزل الله عزوجل فيه (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) قرأه العامة بالواو ، وقول أهل المدينة والشام بغير الواو ، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام.
قال عطاء : لما فتح الله على عمر بن الخطاب الأمصار أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأمرهم ألّا يتخذوا في مدينتهم مسجدين مجاورا أحدهما لصاحبه.
وروى ليث أن شقيقا لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر فقيل له : مسجد بني فلان لم يصلوا بعد. قال : لا أحب أن أصلي فيه فإنه بني على ضرار وكل مسجد بني على ضرار أو رياء أو سمعة فإن أصله ينتهي الى مسجد ضرار (٢).
(وَكُفْراً) نفاقا (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) يفرقون به جماعتهم لأنهم كانوا يصلون جمعا في مسجد قبا فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم دون مسجد قبا وبعضهم في مسجد قبا فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا (وَإِرْصاداً) وانتظارا وإعدادا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) وهو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفاسق ليصلي فيه إذا رجع من الشام ويظهر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) القصّة بطولها مذكورة في أسباب النزول للواحدي ١٧٥ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٣٩ ، والشعر في السيرة النبوية لابن هشام : ٢ / ٤٢٤.
(٢) تفسير الطبري : ١١ / ٣٦.