(أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) وجمعه أحقاب : دهرا أو زمانا. وقال عبد الله بن عمر : والحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد : سبعون سنة. وقيل : البحران هما موسى والخضر ، كانا بحرين في العلم.
فحملا خبزا وسمكة مالحة وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلا ، وعندها عين تسمى ماء الحياة ، لا يصيب ذلك الماء شيئا إلّا حيّ ، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر ، فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا بَلَغا) ، يعني : موسى وفتاه (مَجْمَعَ بَيْنِهِما) يعني : بين البحرين (نَسِيا حُوتَهُما) : تركا حوتهما ، وإنما كان الحوت مع يوشع ، وهو الذي نسيه فصرف النسيان إليهما ، والمراد به : أحدهما كما قال : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (١) وإنما يخرج من المالح دون العذب. وإنما جاز ذلك ؛ لأنهما كانا جميعا تزوّدا لسفرهما ، فجاز إضافته إليهما ، كما يقال : خرج القوم إلى موضع كذا ، وحملوا معهم من الزاد كذا ، وإنما حمله أحدهم ، لكنه لمّا كان ذلك من أمرهم ورأيهم أضيف إليهم. (فَاتَّخَذَ) الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) ، أي مسلكا ومذهبا يسرب ويذهب فيه.
واختلفوا في كيفية ذلك ؛ فروى أبيّ بن كعب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة لم تلتئم ، فدخل موسى الكوّة على أثر الحوت فإذا هو بالخضر عليهالسلام» [٨٢].
وقال ابن عباس : رأى أثر جناحه في الطين حين وقع في الماء ، وجعل الحوت لا يمس شيئا إلّا يبس حتى صار صخرة.
وروى ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لمّا انتهيا إلى الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه فسقط في البحر (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) ، أمسك الله عزوجل عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ موسى عليهالسلام نسي فتاه أن يخبره بالحوت وانطلقا بقية يومهما وليلتهما. حتى إذا كان من الغد (فَلَمَّا جاوَزا قالَ) موسى (لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا)» (٢) [٨٣].
وقال قتادة : رد الله عزوجل إلى الحوت روحه فسرب من البحر حتى أفضى إلى البحر ، ثمّ سلك فجعل لا يسلك منه طريقا إلّا صار ماء جامدا طريقا يبسا. وقال الكلبي : توضّأ يوشع بن نون من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش ، ثمّ وثب في ذلك الماء ، فجعل يضرب بذنبه الماء ، ولا يضرب بذنبه شيئا من الماء وهو ذاهب إلّا يبس. (فَلَمَّا جاوَزا) ، يعني ذلك الموضع (قالَ) موسى (لِفَتاهُ آتِنا) : أعطنا (غَداءَنا) : طعامنا وزادنا ، وذلك أن يوشع بن نون حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى ليخبره بأمر الحوت ، فنسي أن يخبره فمكثا يومهما ذلك حتى صلّيا الظهر من الغد ، ولم ينصب موسى في سفره ذلك إلّا يومئذ حين
__________________
(١) سورة الرحمن : ٢٢.
(٢) مسند الحميدي : ١ / ١٨٢ ، وزاد المسير : ٥ / ١١٤.