ثمّ وصفهم فقال (رِجالٌ) قيل : وجه تخصيص الرجال بالذكر في هذه البيوت أنّه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المساجد (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) قال أهل المعاني : إنّما خصّ التجارات لأنّها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلوات وسائر الطاعات (وَلا بَيْعٌ) إن قيل : إنّ التجارة اسم يقع على البيع والشراء ، فما معنى ضم ذكر البيع الى التجارة؟ فالجواب عنه ما قال الواقدي أنّه أراد بالتجارة الشراء نظيره قوله سبحانه (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) (١) يعني الشراء.
(عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) أي إقامة الصلاة فحذف الهاء الزائدة لأجل الإضافة ، لأنّ الخافض وما خفض عندهم كالحرف الواحد فاستغنوا بالمضاف إليه من الهاء إذ كانت الهاء عوضا من الواو ، ولأنّ أصل الكلمة أقومت إقواما فاستثقلوا الضمّة على الواو فسكّنوها فاجتمع حرفان ساكنان فأسقطوا الواو ونقلوا حركته الى القاف ، وأبدلوا من الواو المحذوفة هاء في آخر الحرف كالتكثير للحرف كما فعلوا في قولهم : عدة وزنة وأصلها وعدة ووزنة ، فلمّا أضيفت حذفت الهاء وجعلت الإضافة عوضا منها ، كقول الشاعر :
إنّ الخليط أجدّوا البين وانجردوا |
|
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا (٢) |
أراد : عدة الأمر فأسقط الهاء منها لما أضافها.
(وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) المفروضة عن الحسن.
وقال ابن عباس : الزكاة إخلاص الطاعة لله سبحانه وتعالى. قال ابن حيّان : هم أهل الصفّة.
وأخبرني ابن فنجويه قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا سلمة بن شبيب قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان قال : أخبرني عمرو بن دينار مولى لآل الزبير عن سالم عن ابن عمر أنّه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).
وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري قال : حدّثنا أبو سعيد أحمد بن عمر بن حبيش الرازي قال : حدّثنا علي بن طيفور النسائي قال : حدّثنا قتيبة قال : حدّثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي حجير عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ للمساجد أوتادا الملائكة جلساؤهم يتفقّدونهم ، وإن مرضوا عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم» (٣) [٦٦].
__________________
(١) سورة الجمعة : ١١.
(٢) لسان العرب : ١ / ٦٥١.
(٣) مسند أحمد : ٢ / ٤١٨.