قال منصور : كان يقال : كان سليمان أبلغ الناس في كتابه ، وأقلّه إملاء ثم قرأ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال قتادة : وكذلك الأنبياء عليهمالسلام كانت تكتب جملا لا يطيلون ولا يكثرون ، فلمّا كتب الكتاب طبعه بالمسك ، وختمه بخاتمه وقال للهدهد (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) فكن قريبا منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) يردّون من الجواب.
وقال ابن زيد : في الآية تقديم وتأخير مجازها : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم وانظر ماذا يرجعون ثم تولّ عنهم أي انصرف ، كقوله (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) أي انصرف إليه ، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به الى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام ، فوافاها في قصرها وقد غلّقت الأبواب ، وكانت إذا رقدت غلّقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها وآوت إلى فراشها ، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها ، هذا قول قتادة.
وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره فطار حتى وقف على رأس المرأة ، وحولها القادة والجنود ، فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها.
وقال ابن منبّه وابن زيد : كانت لها كوّة مستقبلة الشمس ، تقع الشمس فيها حين تطلع ، فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهدهد تلك الكوّة فسدّها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلمّا استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها.
قالوا : فأخذت بلقيس الكتاب وكانت كاتبة قارئة عربية من قوم تبع بن شراحيل الحميري ، فلمّا رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأن ملك سليمان عليهالسلام كان في خاتمه ، وعرفت أنّ الذي أرسل هذا الكتاب هو أعظم ملكا منها ؛ لأن ملكا رسله الطير إنّه لملك عظيم ، فقرأت الكتاب وتأخّر الهدهد غير بعيد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد ، مع كلّ قائد مائة ألف مقاتل.
وقال قتادة ومقاتل والثمالي : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف.
قالوا : فجاؤوا وأخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقيس : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ).
قال قتادة : حسن ، نظيره قوله (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (١).
__________________
(١) سورة الشعراء : ٥٨.