(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) وذلك أنّ بلقيس كانت لبيبة قد سيست وساست ، فقالت للملأ من قومها : إنّي مرسلة الى سليمان وقومه بهديّة أصانعه بذلك عن ملكي واختبره بها أملك هو؟ فإن يكن ملكا قبل الهديّة وانصرف ، وإن يكن نبيّا لم يقبل الهدية ولم يرضه منّا إلّا أن نتّبعه على دينه ، فأهدت إليه وصيفا ووصائف.
قال ابن عباس : ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى.
وقال مجاهد : ألبس الغلمان لباس الجواري وألبس الجواري لبسة الغلمان ، واختلفوا في عددهم فقال مقاتل : مائة وصيف ومائة وصيفة. وقال مجاهد : مائتي غلام ومائتي جارية. وقال الكلبي : عشرة غلمان وعشر جواري. وقال وهب وغيره : خمسمائة غلام وخمسمائة جارية.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا ابن فنجويه قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن ثابت البناني في قوله (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) قال : أهدت له صفائح ذهب في أوعية الديباج ، فلمّا بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموّهوا له الآجرّ بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلمّا جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان ، قالوا : قد جئنا نحمل شيئا نراه هاهنا ملقى ما يلتفت إليه ، فصغر في أعينهم ما جاءوا به ، وقيل : كانت أربع لبنات من ذهب. وقال وهب وغيره من أهل الكتب : عمدت بلقيس الى خمسمائة جارية وخمسمائة غلام فألبست الجواري لباس الغلمان ، الأقبية والمناطق ، وألبست الغلمان لباس الجواري ، وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب ، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب ، وفي آذانهم قروطا وشنوفا مرصّعات بأنواع الجواهر ، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون ، على كل فرس لجام من ذهب مرصّع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملونة ، وبعثت إليه أيضا خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكلّلا بالدرّ والياقوت المرتفع وأرسلت إليه أيضا المسك والعنبر وعود الألنجوج ، وعمدت الى حقّة فجعلت فيها درّة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معرجة الثقب ، ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمّت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابا نسخة الهدية وقالت : إن كنت نبيّا فميّز بين الوصفاء والوصيفات ، وأخبر بما في الحقّة قبل أن تفتحها وأثقب الدرّة ثقبا مستويا وأدخل خيطا.
الخرزة وأمرت بلقيس الغلمان فقالت : إذا كلّمكم سليمان فكلّموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث شبه كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلّمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ، ثمّ قالت للرسول : انظر الى الرجل إذا دخلت عليه ، فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنّه ملك ولا يهولنّك منظره فأنا أعزّ منه ، وإن رأيت الرجل بشّا لطيفا فاعلم أنّه نبي مرسل فتفهّم قوله وردّ الجواب.
فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان عليهالسلام فأخبره الخبر كلّه ،