ومعنى الآية إذا هالك أمر يدك وما ترى (١) من شعاعها ، فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى ، وقال بعضهم ، أمره الله سبحانه وتعالى أن يضم يده إلى صدره ليذهب الله عزوجل ما ناله من الخوف عند معاينة الحية ، وقيل : معناه سكّن روعك واخفض عليك جأشك لأنّ من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ، وضم الجناح هو السكون ، ومثله قوله سبحانه (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٢) يريد الرفق ، وقوله سبحانه : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) أي ارفق بهم وألن جانبك لهم ، وقال الفرّاء : أراد بالجناح عصاه.
وقال بعض أهل المعاني : الرهب ، الكم بلغة حمير وبني حنيفة ، وحكي عن الأصمعي أنّه سمع بعض الأعراب يقول لآخر : أعطني ما في رهبك ، قال : فسألته عن الرهب؟ فقال : الكم ، ومعناه على هذا التأويل : اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم ؛ لأنّه تناول العصا ويده في كمّه.
(فَذانِكَ) قراءة العامة بتخفيف (النون) ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد (النون) وهي لغة قريش ، وفي وجهها أربعة أقوال : قيل : شدّد النون عوضا من (الألف) الساقطة ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين لأنّ أصله (فَذانِكَ) فحذفت الألف الأولى لالتقاء الساكنين.
وقيل : التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك. وقيل : شدّدت فرقا بينها وبين التي تسقط للإضافة ؛ لأنّ ذان لا تضاف. وقيل : للفرق بين تثنية الاسم المتمكن وبينها. قال أبو عبيد : وكان أبو عمرو يخص هذا الحرف بالتشديد دون كلّ تثنية في القرآن ، وأحسبه فعل ذلك لقلة الحروف في الاسم ، فقرأه بالتثقيل.
ومعنى الآية (فَذانِكَ) يعني العصا واليد البيضاء (بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ. قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) وأحسن (٤) بيانا ، وإنّما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) معينا ، يقال : أردأته أي أعنته ، وترك همزه عيسى بن عمر وأهل المدينة طلبا للخفّة (يُصَدِّقُنِي) قرأه العامة بالجزم ، ورفعه عاصم وحمزة ، وهو اختيار أبو عبيد ، فمن جزمه فعلى جواب الدعاء ، ومن رفعه فعلى الحال ، أي ردءا مصدقا حاله التصديق كقوله سبحانه : (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ) أي كائنة حال صرف إلى الاستقبال.
(إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ. قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ) أن نقويك ونعينك (بِأَخِيكَ) وكان هارون يومئذ بمصر (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) قوة وحجة وبرهانا (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ).
__________________
(١) في نسخة أصفهان : دنا. (٢) سورة الإسراء : ٢٤.
(٣) سورة الشعراء : ٢١٥.
(٤) في نسخة أصفهان : أفصح.