(وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) يعني موسى (مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادعائه كون إله غيري وأنّه رسوله (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ) فألقيناهم (فِي الْيَمِ) يعني البحر ، قال قتادة : هو بحر من وراء مصر يقال له : أساف ، غرّقهم الله فيه (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) قادة ورؤساء (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) حزنا وعذابا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) الممقوتين ، وقال أبو عبيدة وابن كيسان : المهلكين ، وقال ابن عباس : يعني المشوّهين الخلقة بسواد الوجه وزرقة العيون ، قال أهل [اللغة] يقال : قبحه الله ، وقبّحه إذا جعله قبيحا (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
أخبرنا شعيب بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا أحمد بن الأزهر ، قال : حدّثنا روح بن عبادة ، عن عوف ، عن أبي نصرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «ما أهلك الله عزوجل قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل الله سبحانه التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخوا قردة ، ألم تر أنّ الله سبحانه قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) الآية» [١٣٠] (١).
(وَما كُنْتَ) يا محمد (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) أي غربي الجبل (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أي أخبرناه بأمرنا ونهينا ، وألزمناه عهدنا (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) الحاضرين هناك تذكرة من ذات نفسك (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا) أحدّثنا وخلقنا (قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فنسوا عهد الله سبحانه وتركوا أمره ، نظيره (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (٢) ، (وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يعني أرسلناك رسولا وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار ، فتتلوها عليهم ولو لا ذلك لما علمتها ولما أخبرتهم] بما تشاهده ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) موسى : خذ الكتاب بقوة.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا
__________________
(١) كنز العمال : ٢ / ٣٣ ح ٣٠٢٠.
(٢) سورة الحديد : ١٦.