بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه ، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل : ألف دينار ، وقيل : طستا من ذهب ، وقيل : حكمها ، وقال لها : إني أموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل ، فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فيهم خطيبا ووعظهم [فكان] فيما قال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت؟ قال : وإن كنت أنا ، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : أنا ، قال : نعم ، قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت ، فلمّا أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء ، وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت ، فلمّا ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله ، فقالت : لا كذبوا ، ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فلمّا تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنه وقع في مهلكة وخرّ] (١) موسى ساجدا يبكي ويقول : اللهم إن كنت رسولك ، فاغضب لي ، فأوحى الله سبحانه إليه : مر الأرض بما شئت ، فإنها مطيعة لك ، فقال موسى : يا بني إسرائيل إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزل قارون ولم يبق معه إلّا رجلان ، ثم قال موسى : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون وأصحابه في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه عليه.
ثم قال : يا أرض خذيهم ، فانطبقت عليهم الأرض ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى ما أفظك. استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم ، أما وعزتي لو إياي دعوا لوجدوني قريبا مجيبا.
قال قتادة : وذكر [لنا] أنّه يخسف به كلّ يوم قامة وأنّه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة ، قالوا : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أنّ [موسى] إنّما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا الله موسى حتى يخسف بداره وأمواله الأرض.
وأوحى الله سبحانه إلى موسى : إنّي لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبدا ، فذلك قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) ، (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ)
__________________
(١) إلى هنا السقط مستدرك من بحار الأنوار : ١٣ / ٢٥٤ ـ ٢٥٧.