استعملت الحليم ، فاستعمل شهريراز ، فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرّب مدائنهم وقطع زيتونهم ، وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس (١) وبعث كسرى شهريراذ فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وأصحابه بمكّة فشقّ عليهم ، وكان النبيّ صلّى الله عليه يكره أن يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم.
وفرح كفّار مكّة وشمتوا ولقوا أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنّكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم. فإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم.
فأنزل الله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) ... إلى آخر الآيات (٢).
فخرج الصّدّيق رضياللهعنه إلى الكفّار فقال : فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرّن الله أعينكم ، فوالله ليظهرنّ الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبيّنا ، فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت يا أبا فضيل ، فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدوّ الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه ، والمناحبة : المراهنة على عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت ، ففعل ذلك وجعلوا الأجل ثلاث سنين.
فجاء أبو بكر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبره وذلك قبل تحريم القمار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما هكذا ذكرت ، إنّما البضع ما بين ثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل ، فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال : لعلّك ندمت قال : لا ، قال : فتعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت فلمّا خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه فقال : إنّي أخاف أن تخرج من مكّة فأقم لي كفيلا ، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر.
فلمّا أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه قال : والله لا أدعك حتّى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثمّ خرج إلى أحد ، ثمّ رجع أبيّ بن خلف فمات بمكّة من جراحته التي جرحه رسول الله صلّى الله عليه حين بارزه.
وظهرت الروم على فارس يوم الحديبيّة وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم.
هذا قول أكثر المفسّرين.
__________________
(١) في تفسير الطبري (٢١ / ٢٣) : يدعى : قطمة بجيش من الروم.
(٢) تفسير القرطبي : ١٤ / ٤.